فيلم "بالحلال"... السينما اللبنانية التي تشبه الواقع

فيلم "بالحلال"... السينما اللبنانية التي تشبه الواقع

30 يونيو 2016
اسد فولاكار في أول عرض (حسين بيضون)
+ الخط -
بعد مشاركته في مهرجان ساندانس (Sundance) الأميركي، بداية العام الحالي، ثم عرضه خلال فعاليات مهرجان دبي السينمائي (DIFF) في ديسمبر/كانون الأول 2015، بدأ أول من أمس في بيروت عرض فيلم "بالحلال" للمخرج والكاتب أسد فولادكار، وإنتاج مشترك بين شركة صبّاح للإعلام (Sabbah Media Corporation) وريزور فيلم (Razor Films) الألمانية، بالتعاون مع ايغل فيلمز وجينجر بيروت بردكشن. 

على الرغم من دخول السينما اللبنانية، متاهات الضياع، والبحث عن نوعية الأفلام التي تُنتج وتُعرض في السنوات الأخيرة، يأتي المخرج أسد فولادكار، لتقديم عمل سينمائي جديد، برؤية لبنانية، تتماشى مع حقائق وواقع يوميات أو بيئة معينة، بصورة ابتعدت كثيراً عن تجميل هذا الواقع أو الاستعانة بالخيال الصوري للكاتب، على العكس يحاول أسد فولادكار، في هذا العمل، المضي قدماً في بيئة تسكنه بحكم انتمائه المعيشي لهذه البيئة أولاً، أو للقول أن المحيط الذي نعيشه، يبقي مسكوناً بداخلنا، حتى في السينما. لكن تسليط الضوء على هذا الواقع يجب أن يأتي بمنظور يتوافق مع مخيلة وتقبل الناس، أو أقله ملامسة واقعهم ونقله بالصوت والصورة إلى الشاشة الكبيرة، واستخدام وسائل الإقناع بأن هذا هو الواقع بدون "روتوش" ولا تجميل ولا تبجيل للممثلة أو الممثل، وبعيداً عن تدخل المنتج ومحسوبياته، وهذا ما حصل في "بالحلال".

في شوارع بيروت، يبدأ أسد فولادكار قصته، مستعيناً بالسؤال الوجودي الذي يطرحه الأطفال على ذويهم "من أين يأتي الأطفال؟" ليفتح الباب على متلازمة العيش اليومي لأسر ورثت الروتين عادات وحياة، بعيداً عن آفاق جديدة تنقذ هؤلاء الناس من حال الروتين لأسباب كثيرة بدت واضحة من خلال المساكن الشعبية والشوارع التي ركّز فولادكار على نقلها بدون تجميل أو حتى الاستعانة بمعلمي ديكور لبناء استديو.

كل ما في الفيلم من تفاصيل، اختيرت بطريقة عفوية - حقيقية لتزيد من مشهد الواقع الذي ينقلنا أو يذكرنا بالتالي بحالنا كمشاهدين، ويصهرنا ضمن القصة بدون حساب وقت الفيلم.
مشاهد مؤثرة جداً تقوم على تفاصيل دقيقة في المنازل التي تشهد أسراراً اجتماعية مخبأة عند البعض، مكشوفة لدى البعض الآخر، صور من تساؤلات طفلتين حول كيفية قدومهما للدنيا. بعد أن شرحت المعلمة "المُحجبة" درس العلوم، وطرحت السؤال التاريخي "من أين يأتي الأطفال بدون استعانة علمية تقيها شر الحياء أمام طالباتها الصغيرات في الصف، ومن كلمة "العلقة" التي تفسرها المعلمة بدودة تسقط من الرجل وتذهب باتجاه المرأة يحصل بعدها الحمل والإنجاب، تنهي المعلمة الدرس ببساطة لا تخلو من نفس فكاهي. تعيدنا الصورة إلى إسقاط واقعي واجهه عدد كبير من الأطفال في العالم العربي لفكرة الإنجاب، واتجاه كل منّا للبحث عن مصدر العلقة، لكن في "بالحلال" تقع القرعة على الطفلتين في البحث عن "الدودة" التي ربما تأتيهم كما أتت والدتهم من أي مكان داخل المنزل وخارجه.

نقطة مهمة، صاغها فولادكار، ستتجه لاحقاً إلى المتعة الجنسية التي يتطرق إليها الفيلم، وهي حالة تقوي برأيه الحياة الزوجية الهادئة، فأكثر المشاكل بين الزوجين تكون نابعة من قلة المتعة الجنسية بينهما، ما ينعكس على الحياة العائلية والاقتصادية للمنزل. وليس بعيداً عن ذلك صورة هذه الأسرة المشغولة بيومياتها، صورة لعروسين لم يمض وقت على ارتباطهما، حتى تداهم الغيرة سعادتهما الزوجية، الزوج المنغلق والمسكون بالغيرة يصرخ ويُعنف زوجته أمام الملأ، متلازمة يشهد عليها الجيران الذين يحاولون إصلاح ذات البين بين العروسين، لكن لا مجال لذلك، فيقع الطلاق الثالث، الذي يحرّم على الزوج أن يستعيد زوجته شرعاً، فيعاقب الدين الزوج بسبب غيرته العمياء، وتنكره الزوجة نهاية بعد عرض بزواجها بآخر، غير أبهة بالمشاعر القوية التي جمعتهما يوماً.

لم يغب فولادكار عن طرح قضية الزواج المؤقت "عقد المتعة أو المسيار"، لكنه لم يقرب إلى تداعيات هذه القضية من الناحية الشرعية أو الدينية، بل وظفها لصالح العلاقات الإنسانية بين امرأة مطلقة "دارين حمزة" وبين رجل متزوج ورب عائلة تقليدي "رودريغ سليمان" أبو أحمد تاجر الخضار الذي يحاول الهروب إلى عشيقة من باب التغيير تحت عقد يظنه وفق بيئته شرعياً، لكن نهاية هذا العشق تأتي مسرعة لتسدل الستار في اليوم الأخير من مدة العقد المؤقت، وتبيّن رغبة الطرفين في القيام بنزوة قاما بها هي في اعتقادهما زواج..
هذه الصور التي حبكها فولادكار في نصّ بسيط، ورؤية حقيقية، تجتاح المجتمع اللبناني بطريقة أو بأخرى بشكل يومي، يؤكده فولادكار في كلمة ألقاها بداية العرض، قال فيها إن ما سيشاهده الناس سيقتصر هذه المرة على بيئة ومجتمع كان شاهداً عليه، مستعيناً بحكايات تشبهنا جميعاً بعيداً عن "الكليشيهات".

لا مشاهد مُركبة في "بالحلال" على العكس مجموعة من الأحداث العابرة والمُشوقة، لم يغب عنها الكادر الفكاهي الذي يصل إلى حد السخرية، وعدم المس بالقانون أو الشرع الديني، فلا هروب إلى الأصولية أو "التابوهات" في النص أو المفردات، بل مجرد الحث على الهدوء والصبر قبل أي قرار يتعلق هنا بحالة الزواج والطلاق التي تحتم مزيداً من المسؤولية والعناية بهذه المؤسسة التي اختارها فردان. 

الفيلم من بطولة (دارين حمزة – رودريغ سليمان – ميرنا مكرزل – علي سمّوري – حسين مقدم – زينب هند خضرا – فاديا ابي شاهين). وتبدأ عروضه للجمهور في بيروت - الخامس من يوليو/تموز المقبل.

المساهمون