فن ترويض الكثبان الرملية

فن ترويض الكثبان الرملية

27 يناير 2014
+ الخط -

 محمد حربي

 هل هناك مجتمع جديد أفرزته رياح التغيير في  الربيع العربي ؟ أم أن الغبار يبدد الوضوح الذي يفترضه السؤال ،أو يأمل في الكشف عنه ؟

 هل كانت الثورة أو الانتفاضة الشعبية النبيلة في تونس ومصر واليمن وسوريا مخاضا عسيرا لتغيير جوهري في بنية المجتمعات العربية ؟أم أن هذه  المجتمعات لا تزال تخوض هذا المخاض الصعب للتغيير ؟

هل غادرنا القبيلة وقوانينها ،وعقلها السياسي والاجتماعي ، الذي يلتف حول خيمة من القيم والتقاليد الأبوية المركزية ،والذكورية غالبا ،وخاصة أنا لاحظنا تعدد الانتماءات تحت سقف القبيلة ورأينا الشيوعيين  يرقصون مع المنتقبات في الميادين فرحا بسقوط الطاغية  فقلنا لعلها الدولة تطلع من تحت الخيمة وتبني وطنا حداثيا   لا يفرق بين الناس على أساسس المعتقد او الانتماء الفكري ؟

 ورأينا تجاوزا للثنائية التي يراد بها أن تكون حربا باردة  بين المسلم والمسيحي لاسيما في مصر، ورأينا قسا مهيبا  يصب ماء الوضوء  لشاب مسلم ، ويكنس الأرض أمامه ليصلي ويحمي بجسده ركوع الشاب وسجوده

هل تغير المجتمع الذي كنا نظنه محافظا يخاف كل ما يمت الى اساس ويسوس كما أعلن الإمام محمد عبده يوما ما ؟ وقد خرجت الجماهير من  تبعيتها مسجدالدولة وكنيستها ، واعلنت دولة المواطنة التي تبدأ في الشارع واليه نتمي وبظله تهتدي عبر الصناديق  .

هل صرنا على شفا حفرة من الحداثة التي تعلي من قيم الفرد والمواطنة على حساب الجمع  ؟أم عدنا لقبيلة من خلال الحداثة الرقمية وصرنا شعوبا وقبائل تتحارب على الشيبكة العنكبوتية كما كشفت أيام ما بعد الثورة ؟

 لماذا كنا في ايام الثورة شعبا واحدا  متعددا بلا تنافر،  ثم انقلب الحال بعد ما لاحت في الافق تباشير  الإنقلاب ؟فأعادت الصثورة المضادة رسم الخارطة القديمة لشكلنا وظلالنا  فعدنا لما كنا عليه ؟و صرخ الثائرون الذين طالبوا الجميع بالبقاء في الميدان حتى نمسك النصر راية واضحة :لماذا انقسمنا قبل أن يستقر المشهد ؟

 هل ثرنا تحت  خيمة الغضبثم اسكرتنا  رياح النصر فانقسمنا كأصحاب النبي قبل انتهاء المعركة بعدما أغرتنا الغنائم؟

  الربيع العربي الذي ربما غير قواعد الجغرافيا، هل يعيد الإعتبار للتاريخ، ويخلصه من غباره الذي ينمو فوق صارية العلم ، وتحت ظل النسور التي  تنعس في أقمشة الرايات المرفرة فوق بنايات تحرسها المدرعات وتتترك البشر في العراء، حصادا لرصاص طائش باسم وطنية تعيد  للأذهان فاشيات أوروبا في القرن الماضي.

كتب شاعر مصري :هل نحن ما نراه في المرايا ؟أم هي الظلال والاشباح تحتل المسافة بين الوجوه والصور ؟

 فهل فهمنا ما جرى فعلا ،وكنا قابضين على المعنى ،ونحن نرى الشواهد تتغير والملامح تنداح تحت وطأة الحاجة أو الخوف ؟

هل صرنا قبائل تتناحر أو صورا للقبيلة وهي تغادرالمشهد، وتحرص على تثبيت رمحها أو عمود خيمتها في الركن القصي للوحة  إحتجاجا على غبار الاسئلة ؟

 هل نستطيع  فهم ما جرى من دون تفكيك المشهد الى جذوره الأولى.والتفكيك ليس بالضرورة هدم البنى ،بل هو  كما يقول الفيسوف الفرنسي جاك دريدا فهم أصول الأشياء وجذورها  ؟ هل عرفنا لماذا غضب الناس ولماذاثاروا؟ لنعرف لماذا انقسمت الشعوب على نفسها في المرايا ؟

 الاسئلة لم يعد محلها القلب بل محاكم التفتيش، التي تعود "صوتا وصورة" في الفضائيات ،وتطارد السائلين حتى قبورهم تنغص عليهم متعة الشهادة وتمتص رحيق الأغاني من اجساد لم تفعل شيئا سوى طرح السؤال أو كانت جزءا منه .

  الاسئلة هي لعبتناالمفضلة في قسم صحافي جديد على المشهد الصحافي العربي الذي يحاول  لم نثار الإجابات  الجاهزة وبسطها في غواية الخروف والصور.  

 نحن  جاهزون لمغامرة ترويض  كثبان رملية تتحرك أمامنا وربما بنا ايضا في ربيع  فتح بوابات السؤال ولم يأت الجواب بعد  فقد تغير كل شيء ولم يعد  كما كان ونظنه لن يعود لما كان. وهذه المغامرة ليست ترفا  نتزلج فيه على الرمل بحثا عن متعة السبق أو لذة المغامرة بحد ذاتها بل محاولة حقيقية وجادة   في قنص الحقيقة متسلحين فيها بمزيد من الأسئلة، ومزيد من الرغبة في الإتقان . نحاول أن نعرف أين  تتحرك الرمال في الخطوة المقبلة ؟وأين يمكن لنا أن نمسك خيط حركتها  ونجيد قراءته ؟
لسنا مع أحد ضد أحد، ولسنا مع قبيلة رملية ضد أخرى ،بل مع الحقيقة التي  تغريها الرمال بالفرار .

 قسم المجتمع في جريدة الجديد هو بوابة مفتوحة للسؤال على مصراعيه والكشف عن فواتح الاجابة ،بلا  سيطرة أبوية أو مركزية ذكورية ، ومن دون شروط مسبقة تدعي معرفة المجتمع .فالمجتمع ما صدقته  الجغرافيا وغيره التاريخ  كل يوم وفي كل يوم رمل جديدولن نفهم الجديد إلا إذا قتلنا القديم فهما كما يقول الرائد المجدد أمين الخولي .

 

المساهمون