فلسطينيو الـ 48 من التهميش إلى الرومانسية الوطنية

فلسطينيو الـ 48 من التهميش إلى الرومانسية الوطنية

15 نوفمبر 2015
عبد الرحمن المزين / فلسطين
+ الخط -

شهد العقد الأخير تحوّلين ساهما في دفع النقاش حول مكانة ودور فلسطينيّي 48 (فلسطين المحتلة عام 1948) في المشروع الوطني الفلسطيني. التحوّل الأول يتمثل في تآكل المشروع الوطني الفلسطيني وغياب الإجماع على مشروع كهذا، في الوقت الذي يتضح فيه أن المشروع الواضح الوحيد هو المشروع الإسرائيلي- الصهيوني الكولونيالي في فلسطين التاريخية.

ويتمثل هذا المشروع الأخير جلياً في حضور مكثف ليهودية الدولة، بما يتجاوز طابعها القومي- الإثني إلى طابع قومي- ديني في تعاملها مع ذاتها ومع فلسطينيّي 48، كما يتمثل في تعزيز السيطرة الكولونيالية في مناطق 67، وفي إفشال منهجي لحل الدولة الفلسطينية، والحفاظ على تقسيم وانقسام الشعب الفلسطيني بدون أن نحيّد المسؤولية الوطنية الفلسطينية عن هذا الانقسام والتقسيم.

التحوّل الثاني هو مفارقة يمكن اعتبارها تاريخية، لكنها محفوفة بالمخاطر بسبب طابعها الدوغمائي- الإطلاقي، وليس بسبب أساسها الفكري-السياسي والوطني، وتتمثل هذه المفارقة في انتقال تعامل الحركة الوطنية الفلسطينية مع فلسطينيّي 48 من التهميش إلى الرومانسية، أي اعتبار أن مركز المشروع الوطني يكمن في تجربة فلسطينيّي 48.

وكلاهما يشكّلان قصورًا في الحركة الوطنية، فتهميش فلسطينيّي 48 الذي وصل إلى ذروته في اتفاق أوسلو، اعتبر قصورا في فهم ودور ومكانة فلسطينيّي 48 كجزء من الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، بينما تُعبّر الرومانسية عن مآزق هذه الحركة في ظل الانقسام الداخلي، وتبعثر الشتات الفلسطيني، وتآكل المشروع الوطني.

وتنطلق الرومانسية من اعتبار التجربة السياسية لفلسطينيّي 48 تجربة يمكن محاكاتها للخروج من المآزق الفلسطينية، وأقصد مآزق الانقسام وغياب الأفق السياسي والفصائلية السلبية وغيرها. وتتعزّز هذه المفارقة بشكل مثير عندما تتعامل الحركة الوطنية مع فلسطينيي الداخل برومانسية، بينما تتعامل الحركة الوطنية في مناطق 48 مع الحركة الوطنية العامة ببراغماتية.

لم تظهر هذه الرومانسية من فراغ، فعلاوة على المآزق الداخلية للحركة الوطنية الفلسطينية، قدّم فلسطينيّو الداخل نموذجاً للعمل المشترك والدور النضالي المهم في السنوات الأخيرة، مثل النضال في المسجد الأقصى المبارك وضد مخطط مشروع برافر، وطرح خطاب نقيض لخطاب الدولة اليهودية (وهو خطاب نقيض طوره "التجمع الوطني الديمقراطي")، وإقامة القائمة المشتركة وانتخاب رئيس لجنة المتابعة مؤخّرا، إضافة إلى مجمل العمل السياسي الجماعي.

وبدأت تظهر قراءات تاريخية في الساحة الفلسطينية تشدّد على الوطني الفلسطيني وتقصي الجانب المؤسرل في تاريخ فلسطينيّي 48. وهي أيضا قراءة انتقائية أيديولوجية، كما كانت القراءة القديمة في اعتبار فلسطينيي الداخل جزءا من المجتمع الإسرائيلي في أحسن الأحوال.

تنطلق هذه الرومانسية من مقولة أن المشروع الوطني الجماعي في مناطق 48 وصل إلى حالة من الاكتمال أو التألق السياسي والنضالي، لكنه في الحقيقة ارتد إلى القواعد الأيديولوجية لكل تيار مُدشّنا مشاريع وطنية متعددة تتجاوز المشروع الجامع، الذي تمثل بالبقاء والصمود بدون تغييبه طبعا، وأن حالة المواطنة (وهي مركب واحد من مجموعة عوامل)، التي يتميز بها فلسطينيّو 48 عن باقي فئات الشعب الفلسطيني، كانت أحد العوامل في تنظيم العمل السياسي لديهم.

جاءت العودة إلى الأيديولوجيا وسلطانها نتيجة اصطدام المشروع السياسي الفلسطيني داخل الخط الأخضر مع صلابة الدولة اليهودية القومية- الدينية، فالعودة إلى الأيديولوجيا شكلت حالة من التعويض عن صلابة الواقع السياسي وقصور إمكانية تغييره في ظل موازين القوى الحالية.

وركز الخطاب السياسي الفلسطيني في العقدين الماضيين على مصارعة الدولة اليهودية بهدف تفكيك طابعها، وشكّل هذا الخطاب الذي طوّره "التجمع الوطني الديمقراطي" نقلة نوعية في الخطاب السياسي العربي، وكشف بشكل واضح عن التناقض بين الدولة اليهودية والديمقراطية، والأهم أنه كشف عن قصور حل الدولتين مع إبقاء طابع الدولة اليهودي، كما أنه زج بإسرائيل في مكان لا تحسد عليه.

لكن "الدولة اليهودية"، كرد فعل، باتت أكثر صلابة في يهوديتها، في المقابل فالحركة الوطنية الفلسطينية عموما وجدت نفسها أمام كولونيالية إسرائيلية ماضية وواثقة في احتلالها.

وإذا أردت أن أحدّد اللحظة التاريخية الرسمية (وهو تحديد مجرد لا ينفي التحولات قبل هذه اللحظة) التي وصل فيها المشروعان إلى جدار اليهودية الكولونيالية الصلب، فهي لحظة عودة نتنياهو، نتنياهو المشروع وليس الشخص.

أدّت هذه اللحظة بالتيارات السياسية الفلسطينية في الداخل إلى التعاطي مع المشروع الوطني عبر محاولة القفز عن الدولة اليهودية، أو اعتبارها حالة طارئة، فالتيار الإسلامي طرح الفكرة الجامعة الإسلامية المتمثلة في مشروع الخلافة، والتيار القومي عاد إلى نقاش فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية، والتيار اليساري الشيوعي عاد بحدّة أكثر إلى دوره السياسي في المجتمع الإسرائيلي بهدف تغييره قبل تغيير طابع الدولة.

يمكن القول إن خطاب نتنياهو ومشروعه أعادا الصراع إلى عام 1948. وفيما يتعلق بعام 1948 تلتقي كل فئات الشعب الفلسطيني كوحدة وطنية واحدة، قبل لجوئها وتشتتها وانقسامها، ويعود الشعب الفلسطيني كتلة تاريخية واحدة في مواجهة المشروع الصهيوني. إنها نقطة الصفر قبل الانقسام (وليس قبل الصراع) التي يفكّر الجميع من جديد فيها حول دوره في المشروع الوطني.


(باحث فلسطيني/ أم الفحم)

المساهمون