فجور النظام المصري

فجور النظام المصري

25 يونيو 2020
+ الخط -
كلما ظنّ بعضنا أن النظام المصري وصل إلى حدّه الأقصى في الفجر بالخصومة ضد معارضيه أثبت للجميع عكس ذلك. في رصيده قائمةٌ لا تنتهي من الجرائم بحق الشعب المصري، ولكن لا يبدو أنها كافية. يسير على قاعدة "هل من مزيد". لا يشبع من التنكيل في معارضيه السياسيين والحقوقيين، حتى الذين كانوا يوماً في دائرته ذاقوا غدره وشروره. يرتوي ببساطةٍ على معاناة المصريين. زجّ آلآفا منهم في المعتقلات من دون تهم، حوّل البلاد إلى سجن كبير، لا يأتمن فيه المواطن على نفسه، حتى لو تكلم بين أربعة جدران واشتكى وضعه المزري. وحتى الذين هم في الخارج يطاردهم بعلاقاته الأمنية التي تنسجها سفاراته.
أما من اختار تحدّيه فذلك في نظر النظام جريمة لا تغتفر، تبيح له الإمعان في التنكيل بمن تجرأ على رفع الصوت. ما يجري مع وائل عبد الفتاح، المعتقل الدائم، ووالدته ليلى سويف وشقيقتيه سناء ومنى، يبدو النموذج الصارخ. تمتلك هذه العائلة شجاعة المطالبة ببديهيات الحقوق، ويتقن هذا النظام إثبات، في كل مرة، أنه مجرّد آلة للتعذيب وإذلال شعبه. وحدها الأنظمة القمعية والدكتاتورية، ونظام عبد الفتاح السيسي منها وينافس على صدارتها في المنطقة العربية، قادرة على تحويل مطالبة عائلة معتقل بالحصول على جواب منه يطمئنها فيه على نفسه بعد انقطاع أخباره إلى ملحمة، تُضرب فيها الأسرة وتُسحل على أبواب السجن وتحت أنظار الأمن، ثم يُختطف أحد أفرادها من أمام مكتب النائب العام، كما حصل مع سناء، وتُزج في الحبس محاصرة بالتهم المعتادة، نشر أخبار كاذبة، والتحريض على الجرائم الإرهابية، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مع إدخالها المتوقع في دائرة تجديد الحبس الاحتياطي كل 15 يوماً، والتي تصبح روتيناً يتكرر كل أسبوعين، ولا أمل بانتهائها إلا بعد سنوات.
طبعاً لم يغفر هذا النظام لهذه العائلة موقفها من ثورة 25 يناير والأحداث السياسية الكبرى، وانحيازها إلى المعتقلين ظلماً أياً كانت انتماءاتهم السياسية، لكن الأخطر بالنسبة إليه أن هذه الأسرة، بما لديها من مخزون حقوقي ونضالي اكتسبته على يد الأب أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح، وطوّر كل فرد فيها تجربته الخاصة ودفع ثمنها، لا تزال تمتلك شجاعة المقاومة بعد كل ما مرّت به.
يعتقد النظام المصري أنه كلما زاد بطشه تمكّن من ترهيب المجتمع بمختلف فئاته، لوأد أي تحرّك تحت أي ظرف. وأكثر ما يقلقه وجود من يقول له إن سياساته هذه، وإنْ كانت تنجح، في أحيان كثيرة، فإنه سيكون هناك دائماً من هو مستعدٌّ لمقارعتها ومواجهتها من دون خوف أو تفكير في الاستسلام. وتفسّر هذه العقلية التي تتحكّم بالنظام كل تصرفاته عبر أجهزته القضائية والأمنية، سواء ضد عائلة سيف أو السياسيين أو الحقوقيين أو حتى الأطباء الذين لم يتردّد في اعتقال بعضهم، لمجرّد أنهم انتقدوا سوء إدارة أزمة كورونا، فالجميع بالنسبة إليه خطر لا على مصر، بل عليه.
يعيش عبد الفتاح السيسي، على غرار كل من يصل إلى منصبه عبر انقلاب، حالة دائمة من القلق على مصيره، وإطاحته سواء من داخل نظامه أو من خلال تحرّكات شعبية. واليوم تحديداً يبدو قلقه مضاعفاً، لا سيما أن جميع مسببات تجدّد الثورة قائمة، سواء على صعيد خنق الحريات السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي سيفاقمها كورونا على غرار جميع بلدان العالم. ولذلك يحرص دائماً على إظهار عدم رغبته في التسامح مع أي محاولة اعتراض.
جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات