غياب النخب سبب آخر لأزمة ليبيا

غياب النخب سبب آخر لأزمة ليبيا

03 سبتمبر 2020
كان واضحاً أنّ الاحتجاجات ستخبو حدّتها سريعاً (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

لم تتوقف مكاتب قادة طرابلس وشرق ليبيا عن استقبال الزيارات من قبل مسؤولي الدول المعنية بالملف الليبي، والذين يعودون على الفور إلى التشاور مع بعضهم بعضا من دون أن يمثّل أصحاب المكاتب في طرابلس أو شرق ليبيا إلا دوراً هامشياً، لا يبدو أنه يتجاوز شرح مستجدات الأوضاع، وتلقّي الأوامر على شكل استشارات أو مقترحات من جانب الزائرين الكُثر. آخر الوافدين إلى ليبيا كان وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، ومفوض الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، في الوقت الذي أُطلقت فيه احتجاجات شعبية طاولت أغلب المدن الليبية، ووصلت إلى حدّ المطالبة بإسقاط كل الأجسام السياسية، وسط غياب كامل لـ"النخب"؛ سواء كانت مؤسسات مدنية أو أحزابا أو غيرها من الفاعليات.

كان واضحاً أنّ تلك الاحتجاجات ستخبو حدّتها سريعاً، فالمتنفذون شمّروا عن سواعدهم وتمكّنوا من تسييسها واستثمارها ضدّ بعضهم بعضا. ظهر ذلك واضحاً من كثرة مسمّيات الحراك الشعبي الأخير، وكثرة الناطقين باسمه خلال ساعات البثّ الطويلة التي كانت تستضيفها شاشات إعلام هذا الطرف أو ذلك. وحتى مساء الإثنين الماضي، وصل عدد الناطقين باسم الحراك إلى تسعة، كل منهم يطعن في الآخر ويخوّنه. وغير خفي أنّ غياب النخبة عن المشهد منذ فترات طويلة، كان السبب في نجاح قادة الأطراف المتصارعة في اختراق الحراك الشعبي المطالب بتحسين الظروف المعيشية، بعيداً عن خلافات السياسة والصراع على النفوذ والكراسي.

عديدة هي الأسباب التي عمّقت الأزمة في البلاد، فليس خروج الصراع في ليبيا من دائرته المحلية إلى دوائر الصراع الدولي والإقليمي السبب الوحيد، ولا الاحتراب والاقتتال، إلى آخر القائمة الطويلة من الأسباب الأخرى، بل يبدو أنّ أحد أهم أسبابه التغييب المتعمّد لصوت النخبة الذي يمكن أن يشكّل عامل ضغط لموازنة الأوضاع، مثلما نجح حراك "لا للتمديد" في إجبار قادة المؤتمر الوطني العام، منتصف عام 2014، على القبول بالتوجه نحو انتخابات برلمانية جديدة ورفض قرارات التمديد.

وصل تأثير تغييب النخب في ليبيا إلى حدّ عدم ثقة المواطن في الوجوه التي خرجت للحديث باسم حراكه الشعبي، وعكس ذلك بشكل واضح سيل التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يؤشر إلى أزمة ثقة لدى الليبيين في أي ساع للظهور على أكتافهم، لا سيما بعد أن هجر نواب البلاد ناخبيهم، بل وشرعن بعض نواب طرابلس ومناطق غرب ليبيا في مجلس نواب طبرق قرار اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالهجوم على طرابلس والتنكيل بأهلها طيلة عام كامل من دون أن يصدر عنهم أي اعتراض. أمّا قادة الأحزاب، على قلتها، فلا يعول المواطن، منذ تشكّل هذه الأحزاب عام 2012، على اقترابها من معاناته والحديث باسمه. فبياناتها تتكثّف فقط في المعارك السياسية والتعليق على زيارات الفاعلين الدوليين لمكاتب القادة في طرابلس وشرق البلاد.

المساهمون