غياب الصرف الصحي أزمة باكستانية

غياب الصرف الصحي أزمة باكستانية

18 سبتمبر 2020
فيضانات في باكستان (آصف حسن/فرانس برس)
+ الخط -
كثرت المشاكل الاجتماعية في باكستان، تحديداً في جنوب البلاد، حيث يعاني السكّان من الفقر والعوز والجهل، وسيادة الأعراف والتقاليد. ومع أنّ مدينة كراتشي، مركز إقليم السند الجنوبي، تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد، إلاّ أنها تعاني من مشاكل كثيرة، منها غياب الصرف الصحي، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها التهميش الحكومي، والتجاذبات السياسية، والخلافات بين الحكومة المركزية والحكومة المحلية في الإقليم.
في الأيام الأخيرة، ضربت المدينة موجة من الأمطار الغزيرة، تركت آثارها وخلّفت أضراراً كبيرة على سكّان المنطقة، بسبب فقدان نظام الصرف الصحي المتكامل فيها. ورغم احتياج الناس إلى هطول الأمطار وانتظار بعض المناطق الزراعية لها، إلاّ أنه بسبب غياب نظام الصرف الصحي، وعدم اهتمام الحكومة والبلدية بالموضوع، عانى المواطنون كثيراً من هطول الأمطار.
لم تتأثر الحياة اليومية والطرق فقط من ركود المياه في الشوارع، بل دخلت المياه إلى منازل السكّان في كثير من المناطق، ودمّرت ممتلكاتهم ومصادر رزقهم.
 وتجاوزت نسبة الأمطار التي هطلت جميع الأرقام القياسية السابقة، إذ شهدت كراتشي 604 ملم من الأمطار وهو رقم قياسي جديد، كما أنّها ثاني أكبر نسبة لهطول الأمطار في المدن الباكستانية كلها. وكانت مراكز الأرصاد الجوية قد حذّرت من هذه الأمطار، مطالبة الحكومة المحلية والمركزية بأخذ الحيطة، والاستعداد للموضوع.
قضايا وناس
التحديثات الحية
كما أعلنت الحكومة المحلية آنذاك أنها أنجزت عملها بشكل كامل، ولن تواجه أيّ مشاكل. لكن في السابع والعشرين من شهر أغسطس/آب الماضي، عندما بدأ هطول الأمطار الغزيرة، ذهبت كلّ تلك الإجراءات والادعاءات أدراج الرياح، وركدت المياه في الأزقة والشوارع، وتمّ تسجيل عدد من الوفيات في المناطق، كما دمّرت المنازل وأملاك المواطنين.
حينها وجهت الحكومة المركزية، التي يقودها حزب حركة الإنصاف، أصابع الاتهام إلى الحكومة المحلية التي يقودها حزب الشعب الباكستاني، وقالت إنّ الحكومة المحلية فشلت في مواجهة القضية، بينما اتهمت هذه الأخيرة الحكومة المركزية بأنها لا توفر لها الميزانية الكافية، وأضافت أنّ هطول الأمطار أتى قياسياً، مؤكدة أنّ ترتيباتها واستعداداتها، لم تكن بحجم الأمطار التي هطلت في الفترة الأخيرة.
يقول ولي سومرو، وهو ناشط من سكّان كراتشي لـ"العربي الجديد"، إنّ السبب الحقيقي وراء ما تواجهه مدينة كراتشي بعد الأمطار الغزيرة، هو الخلافات الموجودة بين الحكومة المركزية والحكومة المحلية، والمشاكل الموجودة داخل الحكومة المحلية نفسها، تحديداً بين حزب الشعب وحزب القومي الوطني، الذي ينتمي إليه رئيس البلدية وسيم أختر، بينما رئيس الوزراء في الحكومة المحلية، مراد علي شاه، ينتمي إلى حزب الشعب، وبين الحزبين مشاكل كثيرة منذ فترة طويلة.
أضاف سومرو أنّ "الأرقام كانت قياسية والأمطار كانت خطيرة، وحجم الكارثة كان كبيراً، لكن الحقيقة أنّ جميع المشاكل التي واجهها المواطنون كانت بسبب عدم وجود نظام صرف صحي". وأكّد أنّ الحكومة أعلنت سابقاً أنّ البلدية نظّفت جميع مجاري المياه، لكن مع بداية هطول الأمطار، أغلقت تلك المجاري ودخلت المياه إلى المنازل والمباني، ما يعني أنّ كل ما أعلنوه سابقاً، كان مجرّد ادعاءات.
وأضاف سومرو أنّ المعضلة الأساسية، خلف المشاكل التي تواجهها مناطق الجنوب، هو الفساد في الإدارات، والخلافات بين الحكومة المركزية والمحلية، علاوة على الخلافات بين الأحزاب السياسية المحلية الشريكة في الحكومة بصورة أو أخرى. هدأت هذه الخلافات، إلى حدّ ما، بعد زيارة رئيس الوزراء، عمران خان، إلى الإقليم، ونقاشه مع المسؤولين هناك.
كما توصّلت الأطراف المعنية إلى تشكيل لجنة من ثلاث جهات هي: الحكومة المركزية والحكومة المحلية إضافة إلى الحزب القومي الوطني الذي يترأس بلدية مدينة كراتشي. وتعمل تلك اللجنة من أجل التنسيق بين الأطراف المعنية، وحلّ المشاكل التي تواجهها المدينة، تحديداً في نظام الصرف الصحي.
ويترأس اللجنة، رئيس وزراء الحكومة المحلية، مراد علي شاه، وبين أعضائها قياديون في الحزب الحاكم وهم: أسد عمر، علي زيدي وأمين الحق. كما ينوب عن الحكومة المحلية، قياديين في الحزب الحاكم في الإقليم وهما: سيد غني وناصر شاه. أما الحزب القومي الوطني فقد وافق في البداية على تشكيل اللجنة، لكنه عاد ليرفض لاحقاً تشكيل أيّ كيان خارج الإدارات الرسمية، ما يعني أنّ جهود تشكيل اللجنة أيضاً تعثّرت، لا سيما وأنّ البلدية في يد الحزب.
وبعيداً عن التجاذبات السياسية والأسباب الكامنة وراء الوضع الذي وصلت إليه المدينة، فإنّ فقدان نظام الصرف الصحي له تأثيرات كبيرة على حياة المواطنين وعلى البيئة بشكل عام. فبعد ستة أشهر من الإغلاق، فتحت المدارس أبوابها في مدينة كراتشي في الخامس عشر من الشهر الجاري، ليعود التلامذة إلى مدارسهم، ويجدوها بوضع مزرٍ. إذ دخلت مياه الأمطار إلى المدارس، وتعرّضت محتوياتها من كراسي وكتب والإدارة وغيرها، للأضرار، في ظلّ عدم اهتمام الحكومة والبلدية بالموضوع.
ولم تكن معظم تلك المدارس جاهزة لاستقبال التلامذة، إذ أنّ إدارات تلك المدارس أو البلدية، تحتاج إلى أيام عديدة لتنظيفها، وإعادة ترتيبها.
هذا، وقد امتدت أضرار الأمطار الغزيرة الأخيرة إلى البحر أيضاً، إذ تشير التقارير إلى أنّ محطة تنظيف مياه الصرف الصحي قبل أن تصبّ في البحر، تعطّلت بفعل الأمطار، وبالتالي تصبّ مياه الصرف الصحي الآن، في البحر، من دون تنظيف، الأمر الذي بدأ يلوث مياه البحر.