غوغائيو الحركات الإسلامية

غوغائيو الحركات الإسلامية

08 أكتوبر 2015
الغوغائيون ليسوا محصورين في بذاءة اللسان (Getty)
+ الخط -
أبيّن أولا أنني ممن كان منتسبا لحركة إسلامية، ولا يزال يزعم أنه ابن للثقافة والحضارة الإسلامية برحابتها عن التنظيمات الخاصة، والتبيين لأجل التأكيد على أن كاتب السطور لا يقف من مربع العداوة أو الخصومة كما يُرمى كل ناقد للسلبيات، وتلك آفة التيارات الشرقية باختلاف ثقافاتهم، ورغم زعم بعضهم أنهم يَسْمُون على تلك السلوكيات.


ما يلاحظ بوضوح، أن صيانة اللسان من لوازم تربية الحركات الإسلامية، ظاهرياً على الأقل، لكن بدأ تغير ذلك الحال عقب الدخول في معارك ما بعد التنحي، ثم صارت سمة الكثيرين من أبناء الحركات الإسلامية خارجة عن قواعد الأدب واللياقة، وقطعاً الشرع.

ربما كانت النقلة الأوضح في ظهور حالة الانحطاط السلوكي والأخلاقي، هي حملة ترشح السيسي للرئاسة، وانتشار الهاشتاغ المهين له، فأصبح الكثيرون لا يتحرّجون مما كان مؤشرا لفساد الخلق، حتى انخرط فيه رموز دعوتهم من أصحاب اللحى والعمائم، وبعض من تلطّف في بذاءته وسوء خلقه، كان يضع تلميحا أقرب للتصريح، فساهموا بذلك في إشاعة البذاءة وسوء الخلق.

ما يحفظه المسلمون، ويتدارسه أصحاب الحركات الإسلامية قول سيد المؤدِّبين: "إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا"، لكن ذلك القول -الآن- أصبح مستدعًى مع الموافِق فقط لا المخالف، حتى لو كان على نفس الأرضية الثقافية والخلاف في السياسة. 
ما يعتمد عليه الغوغائيون بذيئو اللسان قول للصديق- رضي الله عنه- في موقف الحديبية، وما يتعامى عنه هؤلاء الغوغاء، أنه لم يَرِدْ عن الصديق موقف غير هذا على مدار 63 سنة من حياته، وما كان استثناء في حقه- رضي الله عنه- أرادوا جعله أصلا في حقهم، وربما حق الصاحب الكريم.

الغوغائيون من المنتسبين للثقافة الداعية إلى حاكمية الإسلام أصبحوا في ناحيتين: إحداهما المنتسبة للمظلة المسماة بالشرعية، وفي قلبهم أبناء الحركة الأم "الإخوان المسلمون"، ومنهم من لا علاقة له بثقافة ارتياد المساجد في الجماعات والإقبال على عبادات النفل، وغير ذلك من الممارسات الأكثر التزاما في ظاهرها على الأقل، الفئة الأكثر حرصا على مظاهر العبادات، أصبحت البذاءة فيها ظاهرة بشكل غير مسبوق، حتى إن منهم من يطلق السباب بألفاظ تمس الشرف، ولا يجد غضاضة في سلوكه الوضيع، ومثله في حكم الشرع يجلد ثمانين جلدة وتُردّ شهادته في المحاكم.

الغوغائيون ليسوا محصورين في بذاءة اللسان، فهناك غوغائيون لا يتثبتون من الدعاية الكاذبة أو الأمينة، أو يهذون بكلام رموزهم من دون وعي، واعتبار الصادر عن رموزهم لا يحتاج إلى مراجعة، حتى لو لم يكونوا ذوي معرفة كافية بما يتحدثون عنه، وهؤلاء فيهم منتسبو الشرعية، وكذلك أنصار السلطة المنتسبون لثقافة الحاكمية الدينية، وهم الفريق الثاني من الغوغائيين، وهؤلاء أبأس حالا من غيرهم؛ لما يحملونه من تناقضات وكذلك سوءُ أخلاقٍ اختُبرت وقت ما كان الإخوان في السلطة، أو حرضوا عليهم بعد سقوط حكمهم، سواء كانوا سلفيين أو متصوفة، والحق أن انتسابهم للمسميات مخالف لشرف من انتسبوا إليهم.

ما يمكن قوله أن كثيرا من الإسلاميين -على الناحيتين منهم- كانوا غير صادقين فيما زعموا من قيم؛ إذ إن القيم المزعومة سقطت مع أول اختبار عاصف، فلم يتثبتوا من الأخبار عندما خرجت من صفهم وفئتهم، ودعوْا غيرهم إلى التثبت من ما يقال ضدهم، ودعوا إلى عفة اللسان وحسن الخلق، وأطلقوا ألسنتهم بالبذاءات مع مخالفيهم، دعوا إلى الائتلاف وفرّقوا بفعالهم، حتى صار جل ما زعموا حمله من قيم ساقطاً أمام الاختبار.

ما لا يمكن إغفال ذكره أن تلك النقائص ليست محصورة في فئة دون غيرها، بل هي آفة لدى المهتمين بالشأن العام في دول العرب، إسلاميين أو علمانيين.

(مصر)

المساهمون