غموض حول حجم التنازلات الروسية لبكين بصفقة الغاز التاريخية

غموض حول حجم التنازلات الروسية لبكين بصفقة الغاز التاريخية

21 مايو 2014
الرئيسان الروسي والصيني خلال قمة بكين(سارا مودوفيتس-getty)
+ الخط -

حتى الآن، لم يتم الكشف عن حجم التنازلات التي قدمتها شركة غاز بروم الروسية للصين لتوقيع أضخم صفقة غاز في تاريخها، بل والأضخم فى تاريخ قطاع الغاز العالمي، حيث تبلغ قيمتها 400 مليار دولار. 
ولكن خلافات حول الاسعار بين الجانبين الروسي والصيني، وربما الى حد ما عدم الثقة الصينية في روسيا كمصدر إمداد ثابت للطاقة، كان وراء الشكوك الغربية العميقة التي شابت نجاح توقيع الصفقة التي استمرت مفاوضاتها لمدة عقد من الزمان.

ووقّعت شركة غاز بروم الروسية، اليوم الأربعاء، اتفاقاً طال انتظاره لتزويد الصين بالغاز الطبيعي، ورفضت الشركة، التي تسيطر عليها الدولة، الكشف عن قيمة الاتفاق، ولكن بحسب تقديرات غير رسمية تبلغ القيمة 400 مليار دولار وتتضمن توريد 38 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً، عبر خط أنابيب جديد بين البلدين.

يذكر أن هذه الصفقة التاريخية جاءت في وقت كانت فيه كل من الصين وروسيا بحاجة ماسة لتوقيعها، فالصين التي تعاني من التلوث البيئي، تسعى الى إحلال الغاز الطبيعي بدلاً عن الفحم الحجري. كما تعاني الدولة الآسيوية سريعة النمو من نقص في إنتاج الغاز، حيث تتوقع الصين أن يبلغ إنتاجها في العام المقبل، 2015، حوالى 172.5 مليار متر مكعب، بما في ذلك إنتاج الغاز الصخري، فيما ستبلغ احتياجاتها 230 مليار متر مكعب.

وعلى مستوى الجانب الروسي، فإن حصة روسيا من إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا، البالغة 30%، لم تعد آمنة، في أعقاب النزاع الغربي ـ الروسي حول أوكرانيا وسعي أوروبا للبحث عن بدائل.

كما أن روسيا تتوقع أن تأخذ الولايات المتحدة في المستقبل حصة كبيرة من سوق الغاز الاوروبي وسط تنامي ثورة الغاز الصخري في أميركا والتوجه الجاري لتصدير الغاز الصخري المسال الى الخارج.

يذكر أن الولايات المتحدة وافقت أخيراً على بناء 7 منصات ومنشآت لتصدير الغاز المسال، وبالتالي فإن روسيا توجهت شرقاً، وتحديداً الى الصين، حيث سوق الطاقة الضخم المتنامي مع توسّع الاقتصاد الصيني للحصول على أسواق جديدة.

وتتناول الصفقة تصدير روسيا الى الصين كميات من الغاز الطبيعي تراوح بين 38 و68 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ولمدة 30 عاماً. وهذه الامدادات ستضاف الى إمدادات الغاز الطبيعي الحالية التي تصدّرها روسيا الى بكين.

ووفقاً لنشرة "ناتشرال غاز يوروب"، التي تراقب أسواق الغاز لمصلحة المجموعة الاوروبية، فإن هذه الصفقة كانت تواجه عقبات جمة دفعت أوساطاً غربية الى التشكيك في إنجازها.

أحد أهم هذه العقبات الكلفة المرتفعة لخط الانابيب المقترح بين روسيا والصين، والذي يمر عبر سيبيريا الى الصين. وهذا الخط طوله 2800 كيلومتر، ويمتد من حقول الغاز في غرب سيبيريا الى ساحل المحيط الباسيفيكي ثم ينحدر الى الصين.

وتقدّر كلفة هذا الخط بحوالى 70 مليار دولار. ولكن مصادر أميركية قالت إن شركة النفط الوطنية الصينية (سي ان بي سي) وافقت على دفع 50 مليار دولار مقدماً لتنفيذ هذا الخط. وكانت شركة غاز بروم ستجد صعوبة مالية في تمويل هذا الخط في ظل الضغوط المالية ورفض البنوك الغربية منح قروض الى الشركات الروسية.

أما العقبة الثانية فكانت تتمحور حول السعر. وحسب نشرة "ناتشرال غاز يوروب"، فإن روسيا عرضت على الصين تصدير الغاز الطبيعي بسعر 350 دولاراً لكل ألف متر مكعب، فيما تطالب الصين بسعر منخفض يقدّر بحوالى 300 دولار لكل ألف متر مكعب.

ويلاحظ أن سعر الغاز الروسي الذي تبيعه الى دول المجموعة الاوروبية، يرتفع كثيراً عن العرض الصيني، حيث يبلغ في المتوسط حوالى 387 دولاراً لكل ألف متر مكعب.

يذكر أن الصين دفعت أسعاراً تقارب ضعف هذا الثمن للغاز الطبيعي المسيّل في شهر فبراير/ شباط الماضي.

وحتى يونيو/ حزيران الماضي، كانت فجوة الخلاف السعري بين غاز بروم والشركات الصينية تقدّر بحوالى 100 دولار لكل ألف متر مكعب.

وكانت تقارير قد أشارت، في يناير/ كانون الثاني، إلى أن غاز بروم وشركة "سي ان بي سي" الصينية على وشك إكمال الاتفاق بينهما على سعر للغاز الطبيعي يراوح بين 10 دولارات و11 دولاراً لكل مليون وحدة حرارة بريطانية، على أن تدفع الشركة الصينية هذا السعر على الحدود الروسية، وهو ما يعني أن الصين ستتحمل أكلاف نقل الغاز الطبيعي حتى الصين.

وكانت مصادر غربية تعتقد أن روسيا ستجري حسماً للصين عن هذا السعر في مقابل أن تقوم شركة "سي ان بي سي" الصينية بتقديم دفعة مقدمة تصل الى 50 مليار دولار من دون فوائد لتمويل الخط الناقل للغاز الروسي عبر سيبيريا الى الصين. وهذا سعر معقول ومرض للطرفين، حسب متابعين للصفقة. ولكن حتى الآن لم تكشف شركة غاز بروم عن تفاصيل الصفقة.

ولكن، هل السعر وحده كان العقبة أمام توقيع هذه الصفقة التاريخية؟

يقول الباحث مورينا ساكلاميرا، في ورقة بحثية نشرتها جامعة هارفارد أخيراً: "من المنظور الصيني، فإن توسيع تعاون الطاقة مع موسكو يستدعي تملّك شركات الطاقة الصينية، وعلى رأسها شركة النفط الصينية الوطنية "سي ان بي سي"، حصص كبيرة في مشروعات الطاقة الروسية حتى تضمن الصين مصادر إمداد ثابتة لصناعاتها.

يذكر أن بكين شرعت في توسيع ملكيتها لحصص في مشاريع الطاقة الروسية، حيث وقّعت الشركات الصينية في العام الماضي، 2013، صفقتين في قطاع الطاقة الروسي، وهما التوقيع على حصة في مشروع يامال لتسييل الغاز الروسي وحصة "سي ان بي سي" مع شركة روزنفت في شرقي سيبيريا.

وتسعى "سي ان بي سي" الصينية لتملّك حصة 25% في حقل شاياندينسكوي للغاز الروسي.

لكن ساسة الكرملين، ومعهم شركات الطاقة الروسية وعلى رأسها شركة غاز بروم، كانوا يتخوفون من تملّك الصين لحصص كبرى جديدة في مشاريع الطاقة الروسية.

وهنالك اعتقاد أن الاهمية السياسية والاستراتيجية لروسيا ستقلّ على المدى الطويل إذا تملّكت الصين هذه الحصص. ولكن يبدو أن الضغوط التي تواجهها روسيا منذ تفجّر أزمة أوكرانيا واحتمالات تشديد الحظر الغربي على موسكو في نطاق جولة جديدة، قد أجبر شركات الطاقة الروسية على تقديم التنازلات التي طالب بها التنين الصيني.

 

المساهمون