غزة في عيون سحرة فرعون

غزة في عيون سحرة فرعون

15 اغسطس 2014

طالبان جامعيان مصريان يرميان التلفزيون احتجاجاً على الانقلاب (أكتوبر/2013/Getty)

+ الخط -

لم يكن الحذاء، الذي وضعه صاحب قناة فراعين، توفيق عكاشة، في وجه مشاهديه، في أثناء إحدى وصلات شتم الشعب الفلسطيني في برنامجه، أمراً غريباً في الإعلام المصري. كما أن تشجيع مذيعة مصرية إسرائيل على إبادة الفلسطينيين في غزة، لم يكن مطلبًا خارج سياق معروف.

ثمة مشاهدون ومتابعون عرب كثيرون، خصوصاً في مصر، صعقوا وهم يستمعون، أو يشاهدون، أو يقرأون، بعض الإعلام المصري، يتغنى ويشيد بالعدوان الإسرائيلي على غزة.

ويصاب بالقرف والتقزز من يسمع إشادة القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي بمذيعةٍ مصريةٍ، تطالب الجيش المصري، صراحةً بمساعدة جيش الاحتلال الإسرائيلي، للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ لأنها كانت تساند الرئيس المصري، محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين! وهناك قنواتٌ وصحف مصرية عديدة شنت حملة كبرى للتحريض على حماس، واعتبرتها "محتلًا داخليًا لا يقل خطرًا عن المحتل الأجنبي".

يرافق ذلك كتاب صحافيون مصريين شمتوا في مقالاتهم من حماس، ووصفوها بأبشع الكلمات، ودانوا إطلاق المقاومة صواريخ على إسرائيل، معتبرين ذلك "محاولة لإحراج مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي"! وانفردت قناة "سي بي سي" بوصف الأهداف التي تقصفها طائرات الاحتلال في غزة بـ"الإرهابية".

أما توفيق عكاشة، فبدا وكأنه ناطق باسم الجيش الإسرائيلي، وهو يدافع عن ارتكاب إسرائيل مجازر في قطاع غزة، حتى كيل له مديح من التلفزيون الإسرائيلي، بسبب تبريره العدوان، وهل سينسى أحد تصريحاته: أقول لشعب إسرائيل وجيش إسرائيل وقيادة إسرائيل: أنتم رجال خطف منكم ثلاثة مستوطنين وقُتلوا، فقتلتم ثلاثمائة. وعن لميس جابر، حدث ولا حرج، فقد دعت إلى "طرد الفلسطينيين والسطو على ممتلكاتهم، وسجن كل المتعاطفين معهم"!
أيُّ إسفافٍ هذا؟

من السذاجة، اليوم، وبعد الذي جرى في أثناء العدوان على غزة، الاعتقاد أن مصر، التي طرب بعضها على أغنية علي الحجار، وهو يؤصل لقتل فئةٍ من مواطنيه مواطنين آخرين، في أغنية "أنتم شعب وإحنا شعب" ستتوقف عند حدودها السياسية.

كان على كثيرين توقع أن "أنتم شعب وإحنا شعب" ستعني، بالضرورة، فعلاً يتجاوز النيل إلى ما بعده. وسيكون تأثيره أبعد من مجرد انقلاب عسكري محلي، إلى فعل إقليمي، مدعوم دوليا. ولذلك، يدخل الهجوم الإعلامي المصري على قطاع غزة وأهله في سياقٍ، جرى التأسيس له مبكّرا في حياة الانقلابين.


وعلى الرغم من أنه يوصف بـ "الإعلام"، كونه يستخدم الأدوات والوسائل، التي يستخدمها الإعلام، من تلفزيون وصحف وإذاعات، وعلى الرغم من أنه ينسب إلى مصر، كونه خارجاً من هناك، لكنّ الصحيح، أنه ليس إعلامًا، وليس مصريّاً.

هو تهريج على شكل إعلام. و"أنتم شعب وإحنا شعب" خطاب يراد له أن يشكل مفاهيم جديدة، مؤكد بالضرورة أن غزة ستكون على رأس القائمة السوداء فيه، بعد أن ينتقل خارج الحدود. ومن هي أقرب إلى شعب مصر، الذي يتغزل به علي الحجار من غزة.

من السذاجة انتظار أن تكون عين شعب عبد الفتاح السيسي باتجاه غزة مختلفة عن شعب ميدان رابعة العدوية في القاهرة. لكن، ما هي الأدوات التي ستحول غزة إلى عدو؟ الإجابة سهلة: الإعلام، الأداة التي استخدمت مادة جعلت المصريين شعبين، الأول للسيسي والآخر "الإرهابيين". هكذا تحول الإعلام المصري إلى "سحرة"، تتمحور وظيفتهم في جعل الناس يرون ما يريد النظام المصري الجديد أن يرونه أمامهم.

مجددًا، من السذاجة اعتبار ما يجري في الإعلام المصري حالة استثنائية في حقبة السيسي، إذ يؤكد التاريخ أن ما يجري استدعاء أصيل لما اختبره المصريون في محطات سابقة، وقد عرف تاريخ الإعلام المصري سحرة كثيرين، لكنهم لم يكونوا يضطرون إلى إظهار فجاجة خطابهم أمام الناس، كون المرحلة، آنذاك، لم تكن تتطلب ذلك.

وعلى مدى عقود، استغل الساسة في القاهرة بساطة الشعب المصري، وذهبوا به حيث لا يكاد يستطيع ساسةٌ أن يذهبوا بشعب آخر، حتى انطبقت على الإعلام المصري الآية القرآنية الشريفة "فاستخف قومه فأطاعوه"، إذ عند الحديث عن هذا الإعلام لا يتوقف المراقبون أمام الجوهر الذي يقدمه، أو الخطاب الذي يتحدث به، بل والأدوات التي يعمل تحت رايتها أيضا.

ما يدعو إلى السخرية أن الواقع، المعاش اليوم في الإعلام المصري، فاق كل المبالغات التي اعتاد الساخرون تقديمها لجمهورهم، على سبيل النكتة. والأعمال الفنية الساخرة، التي يراد لها أن تكون كوميدية، أو ساخرة، جادة أكثر من اللازم في مقابل "الأعمال الكوميدية الإعلامية" على شاشات التلفزة المصرية.

لكن المخيف، وربما المبكي في آن، أن هناك من يصدق، لا بل إن هناك من يتبنون "مواقف سياسية" استناداً إلى المنطق، الذي تقدمه الوصلات الإعلامية المصرية، فيما إن هذه الوصلات على الشاشات المصرية لا ينطبق عليها علميًا مصطلح إعلام، ولا وصفها مصرية، على الرغم من أن ما سبق صحيح.

وستبقى ذاكرة أحرار العالم، وفي مقدمتهم أهل غزة، تختزن تلك الصور التي صنعها إعلاميون تجاه أبناء جلدتهم. فإعلام بمثل هذا السوء ليس غريبًا عليه أن ينتج مثل هذه الظواهر، التي لم تعد حكرًا على قناة الفراعين وحدها، بل امتدت إلى قنواتٍ وأسماء إعلامية أخرى سقطت في الوحل. وتبقى مشكلة هؤلاء أن ما جرى في غزة عرّى مواقفهم السياسية وفضحهم، وهم لا يستطيعون إخفاء عجزهم عن تبرير هذا الصمود الأسطوري، ولا  حتى عن تفسير ما تفعله المقاومة. 

ما سبق عينات مما حفلت به الصحف المصرية في أثناء العدوان على غزة، ولو تتبعنا ما بثته الفضائيات المصرية، التي تلاعبت بعقول المصريين، وكتبه بعض الإعلاميين من سباب وردح وشتائم، لكان المشهد أكثر بؤسًا بكثير! فعلًا يا حيف!

3467CF47-90FA-451A-87BD-72D9E261E143
خالد وليد محمود

كاتب وباحث، نشرت دراسات ومقالات عديدة. وله الكتب "شبكات التّواصل الاجتماعي وديناميكية التّغيير في العالم العربيّ" و"آفاق الأمن الإسرائيلي: الواقع والمستقبل" و"مراكز البحوث في الوطن العربي" و"قلاع اللغة العربية ورياح الثورة الاعلامية". ماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة الأردنيّة.