غزة: عائلات تعيش بين الأموات

غزة: عائلات تعيش بين الأموات

23 مايو 2014
وضع سكان المقبرة "يرثى له" (محمد الحجار)
+ الخط -

بخطواتٍ ثقيلة دخلنا "مقبرة الشيخ شعبان" وسط مدينة غزة. كان وقع خطوات أقدامنا الصوت الوحيد الذي يبدّد الصمت. لكن أصوات الحياة ستُسمع لاحقاً في طرف المقبرة الجنوبي.

هنا يخرج أطفال من بيوت تشبه القبور، وهناك بيت آخر لعجوز ترمقنا بنظرات ممزوجة بالشك والحزن.

مشهد آخر لرجل يبدو في بداية عقده الرابع، يرتدي "الجلابية"، خرج من بيت منخفض عن الأرض يتساوى مع بقية القبور الموزّعة في كل ناحية من المقبرة. كأن البيت قبر كبير وشاهده الشجر.  

رفض صابر كحيل، أحد سكان المقبرة التي تتجاوز بيوتها العشرة، الحديث بدايةّ مع "العربي الجديد"، بحجّة أنه لا فائدة من الحديث للصحافة، في ظل الإهمال المتواصل في حقه وحق جيرانه.

لكنّه بعد محاولات متكررة لإقناعه، يوافق على الحديث. يقول: غرقنا في المشاكل، فالفقر والمرض ينهشاننا، ناهيك عن أن بيوتنا صغيرة بالأساس، ومساحتها محدودة وتعيش فيها عائلات بكاملها. وهذه البيوت لا تقينا حرارة الصيف ولا برودة الشتاء لأن ما يغطيها يقتصر على الصفيح".

ينخفض بيت كحيل داخل المقبرة، ثلاثة أمتار عن بقية القبور، ليصبح معرضاً لانهيار أضرحتها التي تجاوره. يحاول جاهداً منع الانزلاقات من "دفن" بيته. يشرح أنه منذ سنوات طويلة يعيش في المقبرة وبات متأقلما مع هذه الحياة، غير أنه ما زال يأمل أن يعيش أسوة ببقية الناس في شقة أو بيت يبعد عن الأموات والأضرحة.

في زاوية أخرى من المقبرة، تسكن الحاجة أم أحمد، في بيت يغطّيه الصفيح. يتألف البيت من صالون، عبارة عن فسحة متوسطة المساحة تتوزع في جنباتها أربعة قبور. والمطبخ مساحة جانبية صغيرة فيه قبر، وضعت عليه أدوات الطبخ. ولا يعود غريباً، في هذا المكان المنسي، أن تحتوي غرفة النوم على قبور بدورها. 

"لم يكن بيدنا حيلة"

تقول أم أحمد، لـ"العربي الجديد" إن وضع سكان المقبرة "يرثى له". "حياتهم ليست كحياة بقية البشر". "سكنّا هنا لأنه لم يكن بيدنا حيلة، فكما كل اللاجئين في قطاع غزة اتخذنا من المقبرة مكاناً للجوء. لكن يبدو أن القبور أحبّتنا ولا تريد أن تغادرنا أو أن نغادرها حتى مماتنا".

بألم وحسرة تحدثت أم أحمد. حديث ممزوج بدموع انهمرت على خجل. تمنّت لو يأتي أحد المسؤولين للعيش يوماً واحداً فقط في هذه المنازل.

توجهت "العربي الجديد" إلى وزارة الأوقاف في غزة، المسؤولة عن المقابر، وتحدثت إلى مدير عام الأملاك فيها منذر الغماري، الذي قال: إن بعض الغزيين يعيشون في أكثر من مقبرة منذ الهجرة الفلسطينية في عام 1948.

وأوضح الغماري، أن "بعض العائلات اضطرت إثر النكبة الى السكن في المقابر. غير أن الأجيال المتعاقبة اعتبرت ذلك حقّها، مستغلّة الوضع الأمني المتردي في قطاع غزة".

وأشار الغماري، إلى أن "الوقت الآن غير مناسب لإخراج هذه العائلات بسبب أوضاعها الإنسانية والاقتصادية الصعبة"، مشيراً إلى "وجود حل في الأفق لهذه العائلات". وأكد بأنه "قبل ثلاثة أشهر تم تشكيل لجنة من وزارات الإسكان والأوقاف والشؤون الاجتماعية والداخلية لدراسة ظاهرة السكن في المقابر".

وخرجت اللجنة، وفق المسؤول الحكومي، بتوصيات تتركز على ثلاثة حلول بعد دراسة كل حالة على حدة، وهذه الحلول هي "إما تعويضهم بالمال، أو بالشقق السكنية في مدينة الشيخ حمد قيد الإنشاء، أو بأراض، وذلك لمن يثبت أنه لا يمتلك مكاناً للسكن غير المقبرة".

دلالات