عودة روح يناير: ميادين مصر تنادي بإسقاط النظام

عودة روح يناير: ميادين مصر تنادي بإسقاط النظام

16 ابريل 2016
أوقفت القوى الأمنية عشرات المتظاهرين (الأناضول)
+ الخط -

لا يمكن اعتبار تظاهرات 15 أبريل/نيسان التي شهدتها شوارع مصر، أمس الجمعة، تحت عنوان "جمعة الأرض"، إلا بداية فصل مهم من فصول إعادة الثورة المصرية إلى مسارها الصحيح، وهي التي تخبّطت طويلاً بفعل الانقسامات الداخلية، التي أجادت الثورة المضادة استثمارها في ظل جهودها الدؤوبة لإعادة البلاد إلى ما قبل 25 يناير/كانون الثاني 2011.
وبدا من تظاهرات الأمس، التي شهدت اعتقال عشرات المتظاهرين من قِبل قوات الأمن، أن الميدان عاد لتصحيح الكثير من الأوضاع التي شهدت انتكاسة في الفترة الأخيرة، فكان ذلك بمثابة رسائل مفتوحة لكافة العناصر المتداخلة مع الحالة المصرية. وكان أبرز تلك الرسائل وضوحاً هو كسر "قانون التظاهر" الذي أصبح حبراً على ورق، وتحوّلت إشارة وزارة الداخلية إلى أن المتظاهرين لم يتقدّموا بطلب رسمي لتنظيم تظاهراتهم، إلى محطة سخرية. وكانت وزارة الداخلية قد حذرت من "الانسياق" وراء الدعوات التي وصفتها بـ"المغرضة"، لكن في الحدود التي رسمها القانون، وهي تقصد بـ"الحدود" عملية الحصول على تصريح من وزارة الداخلية بالتظاهر. وهو ما تجاهله جميع النشطاء. وفي تعليق له على ذلك قال الكاتب الصحافي يحيى قزاز: "هناك إخطار على الهواء وعلى الملأ لوزارة الداخلية بالتظاهر في ميدان التحرير في "جمعة الأرض هي العرض"، وهذا طبقاً للدستور!".
كانت الحيلة الثانية التي استخدمتها وزارة الداخلية لترويع المتظاهرين، هي إقحام جماعة "الإخوان المسلمين" في التظاهرات، لتوجيه رسالة بأن تظاهرات "جمعة الأرض" يمكن أن تتعرض للبطش قتلاً واعتقالاً، مثلما هو الحال مع التظاهرات التي ينظمها مناصرو "الإخوان" منذ الانقلاب. وهي الحيلة التي لم تفلح في ثني المتظاهرين عن الخروج إلى الشارع. وكان نص البيان الأمني تحدث عن "توافر معلومات مؤكدة لدى الأجهزة الأمنية بإطلاق جماعة الإخوان الإرهابية دعوات تحريضية منظمة وتوزيع نشرات تدعو لتنظيم مسيرات تستهدف إثارة الفوضى ببعض الشوارع والميادين واستثمارها في خلق حالة من الصدام بين المواطنين وأجهزة الأمن".


أما السلوك الأمني فقد ارتبط بنشر قوات مكافحة الشغب في مساحات واسعة في المناطق المصرية، خصوصاً في مدينتي القاهرة والإسكندرية، وكان إغلاق كل الطرق المؤدية لميدان التحرير من أول الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، فيما كان إعادة إغلاق محطة "مترو السادات" داخل الميدان الخطوة التقليدية التي تمارسها وزارة الداخلية كلما أحست بالخطر.
غير أن كل تلك المحاولات من النظام باءت بالفشل، إذ أبدى المتظاهرون جرأة في مواجهة القوى الأمنية، خصوصاً في محيط نقابة الصحافيين وسط القاهرة التي احتشدت فيها قوات العمليات الخاصة، والتي ظهر أنها متأهبة لقمع المتظاهرين إذا ما جاءتها أوامر بذلك. إلا أن هذه القوات اكتفت بإغلاق المنافذ التي يمكن أن تؤدي إلى ميدان التحرير، وبمحاولة إعاقة المتظاهرين في الشوارع الجانبية في القاهرة من الاتصال برفاقهم في محيط نقابة الصحافيين.
وظهر جلياً أن القوى الثورية المختلفة قد وجدت أرضية مشتركة تنطلق منها عبر استثمار خطأ النظام بتغييب الشعب وتنفيذ الاتفاقية التي قضت بأن تؤول جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، فكانت الأصوات التي تدعو إلى العودة للميدان أعلى بكثير من دعوات التثبيط وبث الفرقة، وصارت عملية العودة الجماعية إلى الميدان هي المعنى الحقيقي للاصطفاف. وبدا واضحاً أن القوى الثورية في طريقها للعودة إلى كلمة سواء على أرضية ثورة يناير، وكان هتاف المتظاهرين "إيد واحدة" تأسيساً جديداً لهذه الأرضية التي غابت في سنوات سابقة. وكانت الأيام القليلة السابقة ليوم "جمعة الأرض" قد شهدت جدالاً كبيراً وشداً وجذباً بين القوى الثورية المختلفة بسبب بيان أصدته جماعة "الإخوان المسلمين" تعلن فيه مشاركتها في تلك الفعاليات، فيما كان الصوت الأعلى في ذلك الجدل للشارع الثوري الذي بدا أنه يساع الجميع من دون إقصاء أو مصالح خاصة.
ومن الإشارات المهمة التي أرسلتها تظاهرات أمس أيضاً، أنّ المتظاهرين المحتشدين الذين كانوا طوال ساعات النهار يتزايدون لحظة بعد أخرى، قد استثمروا الوضع العام والسمعة السيئة لوزارة الداخلية في قمع المعارضين، والتي أصبحت الأعين الدولية عليها بعد مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، فكان استخدام القوة من الوزارة في ظل تغطية إعلامية عالمية ليضيف ورقة إدانة إلى الملف الأسود الذي تعاني منه الحكومة. ودوّت حناجر النشطاء المتظاهرين بهتافات تنادي بسقوط النظام، أمام مدرعات الأمن التي تحيط بهم من كل جانب، وكانت القوات المدججة بالسلاح عاجزة عن استخدام العنف، إلا في الشوارع الجانبية البعيدة عن الحشود.
وتبقى إشارة رمزية مهمة، أرسلتها تظاهرات "جمعة الأرض"، وهي إعادة نقابة الصحافيين إلى مكانها الطبيعي في قلب الثورة المصرية، إذ عاد سلم النقابة منبراً حراً للمناداة بحقوق الشعب المسلوبة، مثلما كان طوال العقود الأخيرة، وهي العودة الشعبية التي قضت على محاولات "تدجين" النقابة عبر استئناس قياداتها. وعن هذا المشهد، يقول أحد المتظاهرين: "كأننا عدنا إلى يناير، روائح الميدان نفسها، الهتافات الحماسية نفسها، والإصرار والعزيمة كذلك، والشباب يرفض الاستسلام على الرغم من كل شيء، والأمن يفشل في وقف زحف المتوافدين على نقابة الصحافيين على الرغم من الحصار، فقد ذابت الخلافات، وعاد شركاء الثورة للالتفاف حول مطلب واحد: الشعب يريد إسقاط النظام".
في المقابل، كانت بعض التظاهرات الهزيلة المساندة للنظام تجوب بعض الشوارع وهي ترفع لافتات تؤيد نتائج اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية في ما يتعلق بجزيرتي تيران وصنافير، وتتهم المتظاهرين بالخيانة لأنهم يطالبون بإشراك الشعب في أية قضية تتعلق بسيادة الأرض. كما لم يجد عدد من المثقفين ممن يصطفون في خانة النظام، بُداً من التسليم بأحقية المصريين في الغضب من الطريقة التي عرضت به نتيجة مفاوضات ترسيم الحدود على الشعب المصريين، فيما بدأت حدة بعض الأصوات المحسوبة على النظام في الخفوت بعد أن عاينت نموذجاً مما يمكن أن تقدمه الثورة المصرية في الأيام اللاحقة.