عن محمد البرادعي

عن محمد البرادعي

02 فبراير 2015

البرادعي يؤدي الصلاة في مسجد بالقاهرة القديمة (30 مايو/2010/أ.ف.ب)

+ الخط -
كتبت، غير مرة، في أكثر من صحيفة عربية، أن محمد البرادعي ظاهرة سياسية محيّرة، وشديدة الاستثنائية، وربما مدهشة. كان ذلك إبّان عودته إلى مصر، بعد مغادرته رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم نشاطه السياسي في مناهضة نظام حسني مبارك، ومشاركته، الشديدة الأهمية، في ثورة يناير. وتالياً، مؤاخذاته وانتقاداته في أثناء حكم المجلس العسكري، وما كان يشيع عن نيته الترشح للرئاسة، ثم قراره عدم خوض انتخاباتها، وهو الذي كانت قوى ونخب مصرية عريضة، قد تداعت قبل الثورة، إلى الدفع به رئيساً للبلاد. في تلك الغضون، كان البرادعي يطلق اجتهادات عميقة، وجوهرية، بشأن ما ينبغي أن تمضي فيه مصر، لتقوم فيها ديمقراطية حقة. مبعث الحيرة في الرجل أن ذلك الالتفاف الواسع حوله، ومن تكتلاتٍ وجموع شبابية أيضاً، تأتّى له، وهو الذي كان، سنوات طويلة، مغترباً عن مصر، يعمل في مواقع ووظائف دبلوماسية ودولية، تلزمه بعدم الحديث في شؤون مصر وغيرها، وقد كان موظفاً عتيقاً في الخارجية المصرية، وفي بعثة بلاده في الأمم المتحدة، وأستاذاً في جامعة نيويورك، قبل رئاسته منظمة أممية متخصصة.
ليس في ذلك الأرشيف ما يؤشر إلى شخصية محمد البرادعي مناضلاً أو ناشطاً سياسياً أو حقوقياً أو صاحب نزوع ثوري. وبحكم سيرته هذه، لم تكن له مواقف معلنة بشأن نظام مبارك، ما جعل الألباب في حيرةٍ من اندفاعة المعارضات المصرية باتجاهه، واعتبارها أنه الرهان المشتهى والعنوان المأمول، لمّا اختير رئيساً للجمعية الوطنية من أجل التغيير. وللحق، كان الرجل مدهشاً في مقابلاتٍ صحافية معه، نشرت فور مغادرته "الطاقة الذرية"، كشف فيها عن دراية باهرةٍ بأحوال اجتماعية ومعيشية وتعليمية في مصر، طرح من أجل تغييرها اجتهادات مفاجئة. وبشأن الثورة لاحقاً، لا مبالغة في الزعم أن البرادعي كان أحد آبائها، وكان وجهاً بديعاً فيها. وقد واصل ثوريّته المدنية الحاذقة، في العامين التاليين، عندما جهر بمواقف جذرية وإصلاحية، وأعلن مشروعاً سياسياً طموحاً ومتقدماً. ولا مجازفة في القول، هنا، إن مصر احتاجت، في تلك الانعطافة الانتقالية، إلى دماغ محمد البرادعي، وإنه كان نجاحاً حاسماً حققته قوى الدولة العميقة والجيش والتكوينات المحافظة في المجتمع عندما أزاحت هذا الرجل من مواقع الفاعلية والتدبير والتخطيط.
مناسبة استدعاء هذا الأرشيف غير البعيد، هنا، أن محمد البرادعي يحافظ على سمْته ظاهرةً سياسيةً محيّرةً ومربكة، في مقابلةٍ مع صحيفة نمساوية، الأسبوع الماضي، في إطلالة مكاشفةٍ (شجاعة؟) بعد صمتٍ غير قصير، اختار أن يقيم فيه، بعد انسحابه من طبختي "3 يوليو" وخريطة الطريق إيّاهما، واللتين ذهبتا بمصر إلى ما نرى من حالٍ مؤسف. كان جميلاً من الرجل صوته المعارض للإخوان المسلمين في الحكم والسلطة، غير أن مدنيته وليبراليته ونزوعه الديمقراطي والدستوري تناقصت مقاديرها في تلك الأثناء، أمام ظلالٍ عسكرية ومخابراتية ومباركية، أخطأ كثيرا عندما آثر التعامي عنها. تالياً، صار ما صار، ثم تدارك البرادعي حاله، لمّا رأى العنف قراراً ونهجاً، انصرف إلى عزلته النمساوية.
ها هو يعلن أنه استُخدم ستاراً، وأن سعيه كان إلى إجراء انتخابات رئاسية، إبّان غضب شعبي من "الإخوان" ومحمد مرسي، وشعورٍ بأن استقطاباً خطيراً يحدث في البلاد. إنه يعلن أن الإسلام السياسي لا بد من تضمينه في المشهد العام، ويتحدث عن قوانين قمعية في مصر. وفي تصريحاتٍ من هذا الطراز، يعود البرادعي إلى بعض شمائله الأولى، ويورطنا، مجدداً، في قراءة مسألته العصية على التحليل التقليدي. ويُربكنا، في استعادته صورته، قبل يناير، داعيةً سياسياً يؤثر أن يظل نظيفاً. تُراه، ينجح في تحقيق رغبته هذه، أم أن الدنيا غير الدنيا، منذ جلسته إياها، وراء الماريشال عبد الفتاح السيسي، مساء 3 يوليو إياه.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".