عن صيف 2015

عن صيف 2015

26 اغسطس 2020
+ الخط -

بعد مرور خمس سنوات تقريباً على التدخل العسكري الروسي في سورية، والذي يمكن القول إنه غيّر كل قواعد الصراع ونتائجه، يستطيع المرء أن يعيد الآن بناء مشهد المعركة الكبرى التي كانت تجري في المشرق العربي، وفي سورية خصوصاً، صيف عام 2015، في ضوء ما بات يتوفر لدينا من معطيات وتفاصيل عن تلك المرحلة المفصلية في تاريخ منطقتنا المعاصر. مطلع ذلك العام، تولى الملك سلمان الحكم في السعودية، وبدا، بعد ترتيب وضعه الداخلي، منشغلاً كلياً بمواجهة النفوذ الإيراني الذي أخذ يطوّقه من الشمال (العراق والشام) ومن الجنوب (اليمن بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014). أرادت السعودية، كما بدا حينها، استباق الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة (تم التوقيع عليه آخر يوليو/ تموز 2015)، بإلحاق هزيمة بإيران في اليمن وسورية معاً، فتدخلت عسكرياً في اليمن في مارس/ آذار 2015، وطلبت مساعدة تركيا في سورية، حيث قام الملك سلمان في إبريل/ نيسان 2015 بأول زيارة خارجية له إلى أنقرة، عقد خلالها اتفاقاً مع الرئيس أردوغان ينص على تنسيق الدعم للمعارضة السورية بهدف إسقاط نظام الأسد. ثم بدأت نتائج الاتفاق التركي - السعودي تظهر على الأرض خلال أسابيع، في مناطق شمال غرب سورية، حيث تولت تركيا دعم فصائل الشمال. وفي الجنوب، حيث أشرفت السعودية على دعم الفصائل المرتبطة بغرفة عمليات الأردن، وقد أدّى ذلك الى سقوط مواقع عديدة بيد المعارضة، مثل، إدلب، وجسر الشغور، وأريحا في الشمال، وبصرى الشام، ومعبر نصيب، واللواء 52 في الجنوب.

ولكن السعودية، كما تكشف معطياتٌ أدلى بها رجل المخابرات السعودي، سعد الجبري، في القضية التي رفعها على الأمير محمد بن سلمان في الولايات المتحدة، كانت، بمقدار اهتمامها بهزيمة إيران في سورية واليمن، منشغلةً بمنع انتصار القوى الإسلامية فيهما (حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن والفصائل ذات التوجهات الإسلامية في سورية). ظهرت أولى المؤشرات على ذلك في أثناء القمة الخليجية - الأميركية في كامب ديفيد في مايو/ أيار 2015، وكان الهدف منها تأكيد التزام واشنطن بأمن حلفائها الخليجيين في ضوء توجهها إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران. خلال القمة، أخبر محمد بن سلمان، الذي كان يرافق ولي العهد في ذلك الوقت، محمد بن نايف، إلى القمة، الرئيس الأميركي باراك أوباما، بأنه ليس لدى السعودية مشكلة مع نظام الأسد، وأن هدفها هو إخراج إيران من سورية. 

لم يبدُ الرئيس أوباما مهتماً، في ذلك الوقت، كثيراً بمخاوف السعودية تجاه إيران، خصوصاً في ضوء توجهه إلى إنشاء تحالف ضمني معها لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. أما في سورية فقد كان أوباما متجهاً إلى الموافقة على طلب تركيا إقامة منطقة آمنة في شمال سورية، للحصول على دعم أنقرة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. بناء عليه، وبعد نحو ثلاثة أسابيع على عودته من واشنطن، توجه بن سلمان إلى سانت بطرسبورغ لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي الذي تنظمه روسيا سنوياً، واجتمع بالرئيس بوتين، ليحثّه على التدخل عسكرياً في سورية. قامت حسابات بن سلمان على أن تدخلاً عسكرياً روسياً سوف يقلب الطاولة على تركيا وإيران معاً، ويساعد في منع انتصار المعارضة. المفارقة أن الرئيس بوتين استقبل في الشهر التالي وفداً إيرانياً ضم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، ومستشار المرشد للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، ومساعد وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. وبحسب "رويترز" التي نقلت تفاصيل اللقاء حينها، وضع سليماني الخرائط على طاولة أمام بوتين، وجعل يشرح له كيف يمكن أن يحوّل التدخل الروسي الهزائم التي تعرّض لها النظام منذ ربيع عام 2015 إلى انتصارات، بمساعدة المليشيات الإيرانية على الأرض.

قد لا نعرف أبداً شعور بوتين وهو يتلقّى من سليماني الدعوة نفسها التي تلقاها من بن سلمان قبل ذلك، وكيف أن الخصمين اللدودين، إيران والسعودية، يتفقان على طلب تدخله عسكرياً في سورية لتحقيق الهدف نفسه، لكننا نعرف يقيناً أن بوتين لبّى الدعوة، ومنع التغيير في سورية إلى حين.