عن السياحة في المغرب

عندما اختار المغرب في بداية الستينات أن يدخل غمار الاستثمار في القطاع السياحي، انصب التركيز على الجانب الاقتصادي، ساعيا إلى أن يسهم في إحداث نهضة اقتصادية تساعد المغرب على تحسين الظروف الاجتماعية للمواطن المغربي، بحكم أنّ السياحة تساهم في توفير العملة الصعبة وتوفر فرص الشغل، وأيضا تساعد على الاندماج العولمي.
أقصد أنّ المغرب سعى لجعل السياحة من أبواب التنمية، إلا أنّه لم يتم الانتباه للتأثيرات السلبية المحتملة التي قد يُحدثها فتح أبواب المغرب أمام سياح أجانب من جنسيات مختلفة وثقافات مختلفة، إذ لم يتم الانتباه إلى أن المجتمع المغربي غير مهيّأ سيكولوجيا ولا تربويا للتفاعل بإيجابية مع هذا الآخر المختلف (السائح)، الأمر الذي سهل تأثر هذا المجتمع بسلوكيات وأخلاقيات الأفواج السياحية الأولى التي وصلت المغرب بداية الستينات، فقد شكلت هذه السلوكيات والأخلاقيات المختلفة عنصر إعجاب واندهاش بالنسبة للمجتمع المغربي المتميز بنمط عيشه المرتبط بما هو شرقي إسلامي.
تجلت أولى بوادر التأثير في ظهور من يُعرفون بـالهبيين "الهيبز"، وهم شباب بشعر طويل وطريقة مختلفة في اللباس، كانوا قد ظهروا في انجلترا كحركة تمرّد على النظام الرأسمالي، بحثا عن نمط عيش مختلف، شكلوا وقتها صدمة للمجتمع المغربي المحافظ الذي اعتقد أنه لن يكون هناك تأثير أقوى من الذي حاول إحداثه المستعمر الفرنسي.
فضلاً عن هذا، ارتبط ظهور بعض الإيديولوجيات والخلفيات الفكرية الجديدة في المغرب بالسياحة أيضا، إذ أحدثت الكتب التي كان يجلبها بعض السياح معهم تحولا عميقا في نمط تفكير بعض المغاربة، خصوصا المثقفين منهم، وهو التأثير نفسه الذي أحدثه مفكرون وفلاسفة وكتاب كانوا يقومون بجولات سياحية منتظمة للمغرب، وكانت أهم الأفكار التي انتشرت خلالها هي تلك المرتبطة بالإلحاد الديني.
بعد الستينات، اتجه المغرب إلى استثمار حقيقي في القطاع السياحي بإحداثه وزارة السياحة (1965) وبرفع الميزانية المخصصة للقطاع، حيث تجاوت 6,4 % كما تم إعداد مخططات واستراتيجيات هادفة إلى رفع عدد السياح الذين يزورون المغرب سنويا. وبالفعل، تمّ تحقيق قفزة نوعية في هذا الشأن، خصوصا في السنوات الأخيرة بتجاوز عتبة 10 مليون سائح التي راهن عليها طويلا. لكن دائما من دون القدرة على تحصين المجتمع، ومن دون القدرة على إيجاد آليات موازية تحفظ هوية المواطن المغربي وثقافته، ليستمر بذلك الشرخ في الاتساع، ولنجد أنفسنا أمام نوع جديد من السياحة، تجاوز الاستمتاع بالبحر والسماء والرمال والمعالم التاريخية إلى الاستمتاع بالأجساد، أقصد ظهور السياحة الجنسية، إذ أصبح المغرب وجهة مفضلة لأجانب باحثين عن المتعة الجنسية، الأمر الذي أدى إلى تأثر بعض المغاربة أنفسهم بهذه السلوكيات .
حاول المغرب إذن أن يجعل من السياحة قاطرة أساسية نحو التنمية، ونحو المساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني، وهذا في خطأ منهجي، لأنه ولكي تحقق السياحة هذه الأهداف، كان لزاما في البداية على الدولة أن تُعِد الأرضية المناسبة التي بإمكانها جذب السائح الذي قد يترك بصمة إيجابية وسط المجتمع، وليس العكس، فتفكير الدولة في الكم من دون الكيف هو ما أوصل المغرب إلى واقعه السياحي السيء اليوم، وهو ما أدى إلى ظهور فاعلين جمعويين ينادون بتغيير هذه السياسة السياحية، لأنها تقودنا نحو تحول خطير في البنية الأخلاقية للمجتمع، في مقابل إيرادات جد محدودة يحققها هذا القطاع سنويا.