عماد جودة... بنّاء هدمه الحصار

عماد جودة... بنّاء هدمه الحصار

20 أكتوبر 2014
عائلة تحمل الكثير من الأمنيات (العربي الجديد)
+ الخط -
الصمت يسود، ضحكة أطفال تكسر حدة المشهد. لا حيطان البيت تشبه الحيطان، ولا الأثاث يشبه الأثاث، ولا مظاهر حياة عادية. ‏"أعيش تحت الصفر". هكذا يلخص عماد جودة حياته لـ"العربي الجديد"، داخل بيت متواضع في مخيم ‏الشاطئ للاجئين في قطاع غزة، وفي غرفة صغيرة داخل البيت، بدأ عماد يسرد فصول يومياته... فمنذ ‏أكثر من سنتين بات بلا عمل، والسبب: عدم توافر مواد البناء اللازمة لعمله، شح مادة الأسمنت واحدة ‏منها. ‏

هو بنّاء هدمه الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع ومسح الأنفاق التي كانت تعين سكان القطاع في بعض المواد الحياتية. ملامح المعاناة تسيطر على وجوه أطفاله المتحلقين حوله. وضع يحمّل عماد مسؤوليته للحصار ‏المضروب على القطاع، ويقول "لا أعمل، والسبب عدم توفر مواد البناء في القطاع، فهي ممنوعة من ‏دخول غزة من قبل جيش الاحتلال، وحتى مصر هدمت الأنفاق في رفح بعد ما كان يدخل الحديد والأسمنت".‏

مطبخ أسرة عماد، لا يشي بوجود عائلة تعيش في المنزل، لا مقومات لإعداد الطعام والشراب، ثلاجة فارغة إلا من بعض ‏عبوات الماء وكِسر الخبز "نحن لا نعرف اللحوم، ولا نعرف الفواكه والخضروات" يحكي عماد بحرقة. ‏ويضيف "منذ سنوات لا أستطيع شراءها ولا أذهب إلى السوق، فلا يوجد معي المال، وإن توافر تكون ‏الأسعار مرتفعة جداً فى ظل الوضع الصعب الذي تعيشه غزة".‏

وحول كيفية توفير الطعام لعائلته يوضح عماد، أنه يعتمد على المساعدات الغذائية التى تقدم له من ‏جيرانه وأهل الخير، أما مساعدات المؤسسات الاغاثية فلا تكفي لسد حاجيات أسرته، والسبب أنها غير ‏مستقرة، مشيراً إلى أن الحصار المفروض على غزة والحرب الإسرائيلية المستمرة أثرت سلبا على الحالة ‏المعيشية.‏

يوميات عائلة عماد تمر ثقيلة على كل أفرادها، الحرمان من بعض أساسيات الرفاهية للأطفال كالألعاب البسيطة، وصولاً إلى مواقف صعبة جداً تمر على عماد، حين يطلب أحد أبنائه مصروفه اليومي، أو يطلب حاجيات ‏البيت من البقالة، هنا يشعر بالحرج، يختلجه الإحساس بالعجز عن توفير متطلبات أبنائه، "لكن من أين ‏أحصل على ثمنها؟ هي أصعب المواقف التي تمر على حياة الإنسان"، يقول عماد.‏

"لا نريد العيش برفاهية، كما تعيش بعض العائلات، نحن نريد العيش بالقليل، نريد توفير لقمة العيش لسد ‏جوع الأطفال"، هذه رغبة أم شادي، زوجة عماد، فهي تحاول جاهدة توفير لقمة العيش إلى جانب زوجها. ‏أمانيها كما تحكي ذلك لـ"العربي الجديد" حياة كريمة، ورفع الحصار المفروض على غزة، وتوفير العمل ‏لزوجها، فبتوفره سيتم الاستغناء عن المساعدات، مما يرفع عن العائلة الخجل الذي تصفه بـ"الكبير".

حال عائلة المواطن عماد جودة، كحال الآلاف من سكان قطاع غزة، الغارقين عنوة في قساوة العيش، ‏فأغلب السكان هنا يعيشون على المساعدات المقدمة من طرف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ‏الفلسطينيين، وجلها من مواد غذائية كالدقيق والأرز والزيت. ‎

يوضح الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور ماهر الطباع أن واقع الفقر في غزة، ازداد سوءا مع العدوان ‏الأخير على القطاع. ويقول الطباع: "إن أكثر فئات المجتمع تضرراً هم فئة العمال، خاصة ‏الذين يعملون فى مجال البناء، حيث إن قطاع الإنشاءات يستحوذ على النسبة الأعلى في سوق العمالة، ‏وعدم إدخال مواد البناء أثر على هذه الفئة. نسبة 70% من الحرف تعطلت من عدم إدخال تلك المواد". ‏ويوضح الطباع أن هذه الوضعية أدت إلى توقف عمل الإنشاءات بشكل كبير، والمتمثلة في شركات ‏المقاولات ومصانع الباطون والصناعات المساندة لعمليات البناء، حيث أدى إغلاقها إلى تشريد الآلاف من ‏العمال وتعطيل الكثير من المنشآت الخاصة بالمواطنين.‏

‎ ‎وأوضح الخبير الاقتصادي أن السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات البطالة، هو منع الاحتلال الإسرائيلي ‏دخول مواد البناء وإغلاق الأنفاق، موضحاً "أن نسبة الفقر قبل العدوان الإسرائيلي الأخير كانت 38% ‏واليوم زادت النسبة لتصبح 50%".‏
وختم الطباع حديثه بالقول "إن الحرب الإسرائيلية تسببت في تسجيل 210 آلاف عامل إضافي عاطل عن العمل، كما أن معدلات الفقر قد تتجاوز 60%"‏.

دلالات

المساهمون