علاء الشرباتي.. أن تكون ابناً لأب محكوم 100 عام

علاء الشرباتي.. أن تكون ابناً لأب محكوم 100 عام

17 ابريل 2014
علاء الشرباتي (العربي الجديد)
+ الخط -

"كلّ ما أشوف طفل مع والده، حتى لو كان عمره سنتين، بحسده، أو طفل يحمله والده بين أيديه، أشعر بالحرمان الكبير من الحنان اللي فقدته في كل حياتي. بشعر إنها مأساة، كان عمري خمس سنين وصار 23، وأبوي محكوم 100 سنة، وكل الدنيا تغيّرت وما تغيّر شي، أبوي لليوم في السجن"، يقول علاء وحشرجة الشوق لوالده تسكن في عينيه.

حاور "العربي الجديد" علاء الشرباتي، (23 عاماً)، ابن الأسير المقدسي أيمن الشرباتي، منفِّذ إحدى العمليات الفدائية في القدس المحتلة عام 1998، المحكوم في سجون الاحتلال الإسرائيلي 100 عام، قضى منها 18 عاماً، كنموذج مؤلم لمعظم عائلات الأسرى المحرومة من كل شيء، أي من الأب.

كان علاء يبلغ من العمر خمس سنوات، عندما اعتقلت قوات الاحتلال والده بتهمة قتل اثنين من كبار الحاخامات اليهود، وإصابة اثنين آخرين، ومحاولة استهداف رئيس بلدية القدس آنذاك، إيهود أولمرت. وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات، إلا أن حديثه عن والده يقطر مرارة، فهو الأكبر في عائلة مكوّنة من أربعة أبناء وأم، وقتلت أحلامه على أبواب سجون الاحتلال الكثيرة، وهو يحاول فقط أن يرى والده من خلف القضبان.

ويقول علاء: "وأنا طفل، لم أكن أعرف جيداً معنى 100 سنة من السجن، كان باب السجن بالنسبة لي يشبه مدينة الملاهي للأطفال الآخرين، كان مثل الملعب ومكاناً للترفيه، كنتُ دوماً ذاهباً لمشاهدة والدي، لكنني لم أكن أعي أن والدي يتألم عندما يشاهدنا".

ترعرع الطفل على أبواب السجون، وعلى معاناة السفر الطويل الذي يبدأ مع ساعات الفجر الأولى، وينتهي مع منتصف الليل. ومع بداية انتفاضة الأقصى الثانية، بدأ يشعر بحجم الألم والمعاناة مع والدته التي تحمل إخوته الثلاثة، في رحلة الحواجز والطرق المغلقة، وإجراءات التفتيش والصعوبة الكبيرة للوصول إلى والده، ليكتشف بعد سنوات قليلة بأن باب السجن ليس مكاناً للطفولة، إنما نقمة كبيرة يعيش فيها والده.

بدأ حرمان الطفولة لدى علاء، عندما عاقب الاحتلال الاسرائيلي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لفوزها في الانتخابات التشريعية في يناير/ كانون الثاني من عام 2006، وقطعت رواتب السلطة الفلسطينية بسبب الضيق الاقتصادي، وحرمت عائلته من المخصصات التي تدفع لذوي الأسرى، إذ لم يعد للعائلة أي دخل يعيلها، الأمر الذي دفع بالوالدة إلى العمل في مجال تقطيع وتقشير الخضار لأحد التجار، لتجني مبالغ قليلة من المال لتؤمّن قوت أبنائها.

ويقول علاء إنه "عندما أصبح عمري 10 سنوات، أصبحتُ أشعر بحجم الضيق الذي تعيشه والدتي في تأمين لقمة العيش لنا، وبصفتي الطفل الأكبر في العائلة، بدأت في العمل معها في المجال نفسه في تقطيع وتقشير الخضار لمدة عامين، ومن ثم انتقلت للعمل على أحد البسطات التجارية في القدس، وأجني 50 شيكلا،ً ساهمت كثيراً في إعالتنا".

تحدّث علاء عن نقمة الحرمان من الأب، وقال إنه لم يعرفه جيداً إلا بعدما هُرّبت الهواتف النقالة إلى السجون، حيث تمكنوا من الحديث معه لأوقات طويلة ساعدتهم في التعرف على شخصيته، وعلى حياته في السجن، ومكّنتهم من التقرّب إليه كثيراً. ويكشف علاء، لـ"العربي الجديد"، أنه تمكن من تهريب الهاتف النقال لوالده ثلاث مرات، وأنه تم اكتشافه في المرة الرابعة، وعوقب على أثرها والده لمدة عام في العزل الانفرادي، كما حُرم هو من زيارته لمدة عام أيضاً.

ساهمت الأعوام المئة التي حكم الاحتلال الاسرائيلي بها على والده في تكوين شخصيته، وألقت على عاتقه مسؤولية اجتماعية كبيرة منذ الطفولة، فحلّ مكان والده في الأفراح والاتراح، والمناسبات الاجتماعية الأخرى، وتعامل الناس معه على أنه رجل ناضج يبلغ من العمر 40 عاماً، كما يقول.

يشير علاء إلى أن والدته كانت المعيل الوحيد في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، بعدما عملت في الخضار، وانتقلت لتعمل مصففة شعر، ثم أصبحت تملك اليوم صالوناً كبيراً للنساء.

ويلفت علاء إلى شعوره بالحرمان منذ طفولته حتى أصبح شاباً، و"كثيراً ما كانت تؤلمني زيارات الآباء لأبنائهم في المدارس، عندما ينجحون في الامتحان، يذهبون ليخبروا آباءهم، هذا الشيء كان مؤلماً بالنسبة لي، لم أعش طفولتي مثلهم، والدي لم يكن معنا، والآن هو ليس معنا، لكن وجود والدي في السجن بالرغم من الحرمان، جعلني أشعر بالفخر والعزة والكرامة. والدي شجعني كثير على إكمال الدراسة والتخرج من الجامعة من أجل والدي".

درس علاء الحقوق لأنه أراد أن يفعل شيئاً لوالده، إلى جانب أنه كان يشاهد معاناة أهالي الأسرى مع المحامين، مع رغبته في دراسة القانون الدولي، لأن هنالك اتفاقيات دولية تتحدث عن حقوق الأسرى الفلسطينيين.

ويوضح أن "الأسر والسجن مشكلة، والسجن صعب، عذاب في كل لحظة، تفاصيل حياتنا تسير لحظة بلحظة وهو بعيد، جدتي ماتت وهو بعيد، إخوانه ماتوا وهو بعيد، أخواله، أعمامه أيضاً، أشياء كثيرة حدثت وتغيّرت وهو ليس بيننا".