عزّ الدين ذو الفقار في كتاب: موعد مع الحياة

عزّ الدين ذو الفقار في كتاب: موعد مع الحياة

02 يناير 2020
شادية وذو الفقار أثناء تصوير "أقوى من الحب" (أرشيف)
+ الخط -
عزّ الدين ذو الفقار، هو أحد خمسة فنانين مصريين جاؤوا من خلفية عسكرية، قبل أن يتحوّلوا إلى الفنّ والأدب. مع ذلك، شهرته الأكبر متأتية من أفلامه، المُغرقة في الرومانسية. ولعلّه الأشهر بين مخرجي السينما المصرية في هذا النوع السينمائي، رغم وجود مخرجين كبار خاضوا تجربة النوع نفسه، وأيضاً رغم أنّه، هو نفسه، قدّم أنواعاً عديدة أخرى، كالكوميديا والأكشن والتراجيديا والفيلم الموسيقي. مع ذلك، التصق اسمه بالرومانسية.

عز الدين ذو الفقار ابن أسرة تنتمي إلى المؤسّسة العسكرية. والده ضابط شرطة، وأخوه الممثل صلاح شرطيّ، وأخوهما كمال عسكري. الفنانون الآخرون هم: أحمد مظهر، وإيهاب نافع، ومحمود قابيل، ويوسف السباعي.

بمناسبة مئوية ولادة "فارس الرومانسية" (28 أكتوبر/ تشرين الأول)، أصدر "مهرجان الإسكندرية السينمائي" كتاباً بعنوان "عز الدين ذو الفقار: الحبّ في زمن الثورة"، للكاتب الصحافي والناقد السينمائي المصري أشرف غريب، الذي تميّزت مؤلّفاته، في الأعوام الأخيرة، بالاعتماد على وثائق مهمة تحرّض على إعادة قراءة سِيَر شخصيات سينمائية وموسيقية في التاريخ المصري، أثار بعضها جدلاً شديداً. يعتمد الدقّة في البحث، ويستعين بالوثائق، ولا يخشى هجوم النقد عليه، كما حصل مع كتابه "العندليب والسندريلا" ("دار الشروق"، 2017)، الذي تعرّض لهجوم كبير، أو "الوثائق الخاصة لليلى مراد" ("دار الشروق"، 2016)، بكل ما أثير حولها من شائعات، بدءاً من إشكالية إسلامها، ومكوثها 40 عاماً بعيدة عن الأضواء في عزلة إجبارية ثم اختيارية، خصوصاً أنّه لم تُوثَّق حياتها، ولم تُؤرَّخ فنياً.
كتابه "الممثلون اليهود في مصر" ("مركز الهلال للتراث الصحافي" التابع لـ"مؤسّسة دار الهلال"، 2018)، أشار إلى أحد آثار نكبة 1948، وكيف كسرت الصورة الجميلة لزمن الفن الجميل، الذي لم يكن يهتم أحد فيه بديانة الفنان. بالإضافة إلى "محمد فوزي والوثائق الخاصة" ("مؤسّسة بتانة الثقافية"، 2019).

كتابه عن عز الدين ذو الفقار يبتعد عن الأمور الإشكالية. ورغم أنّه مكتوب بلغة بسيطة جذّابة ورصينة وخالية من التعقيد، ما يُتيح للقارئ أنْ يستمتع بقراءة فصوله، إلّا أنّه يعاني نقصاً في جودة الطباعة، ولا يتضمّن فهرساً للعناوين والفصول. كما أنّ له مقدّمتين، أولى قصيرة تمهيدية عامة، وثانية طويلة، تطرح تفاصيل عن نشأة المخرج بين ثورتين، فهو من مواليد "ثورة 1919"، ما جعله يتشبّع بأجواء ذلك العصر وروحه، أي زمن المُطالبة بالاستقلال، وكره الإنكليز. حينها، انخرط المخرج في نشاط مكافح للاستعمار. ربما لذلك يعترف بأنّ انتسابه إلى الكلية الحربية نابع من إرضائه لرغبة والده، المرتبط به عاطفياً بقوّة، لكن أيضاً بسبب إيمانه بأنّه سيؤدّي لبلده عملاً عظيماً.

ثم هناك "ثورة يوليو 1952"، التي أتاحت له إخراج أفضل أفلامه التي منحته شهرة كبيرة، رغم أنّه أنجز 6 أفلام، بدءاً من "أسير الظلام" (1947). مع هذا، يعتبره غريب "لسان حال الثورة"، استناداً إلى "بور سعيد" (1957)، عن العدوان الثلاثي على مصر، و"رُدّ قلبي" (1957)، الأشهر في رومانسيته، الذي يتناول قصّة حبّ كادت الأوضاع الطبقية تقضي عليها، لكونها تجمع ابنة الباشا بابن البُستانيّ، لكن ثورة 1952 تمنحهما قبلة الحياة. كان يُفترض به إخراج فيلميّ "جميلة بو حيرد" (الذي أخرجه يوسف شاهين عام 1958)، و"الناصر صلاح الدين" (لشاهين أيضا، 1963)، لكن ظروفاً صحية منعته في المرّتين.



كان عز الدين ذو الفقار "ابن موت"، كما يصفه غريب. عاش 44 عاماً، أمضى منها 15 عاماً في السينما، أخرج خلالها 32 فيلماً، وثلث الفيلم، أي تلك القصة التي قدّمها ضمن 3 قصص في "البنات والصيف"، المُنجز عام 1960 مع صلاح أبو سيف وفطين عبد الوهاب. برأي غريب، كان ذو الفقار يُجرّب نوعاً سينمائياً مغايراً لأسلوبه، فالفيلم يعتمد على قصّة حسّية مُقدّمة بتعبير مكشوف في الصورة والحوار، بينما استند منهجه السابق إلى التلميح والرومانسية.

يُخصّص أشرف غريب فصلاً بعنوان "موعد مع الحياة وآخر مع الموت"، يتناول فيه العطاء الكبير للمخرج، المتفرّد في كلّ شيء، والمخلص لما يقدّمه. كما كان مفرطاً في الرياضة والقراءة، وفي سماع الموسيقى، واقتناء الأسطوانات الجديدة، والتدخين والسهر والمغامرات. كما يتناول قرار الانتقال من المؤسّسة العسكرية إلى السينما، بعد رحيل الأب، والأزمة النفسية التي واجهها، ونصيحة طبيبه النفسي بتغيير كامل لحياته، ثم زواجه بفاتن حمامة وانفصاله عنها. فصل آخر مُخصّص لملامح سينماه وسماتها، في مشهد الافتتاح، وأسلوب السرد، والصوت الداخلي، وطبيعة الصراع، والعداء الأخوي، والإعاقة، والتضحية بالحبيب، والانتحار، ووصايا المحبّين، والتصالح الطبقي. وهذه وسمت معظم أعماله، كما الماضي ورواسبه، والتناغم بين فريق العمل، والإيمان بأبطاله، وأشهر النجوم الذين صنعهم، كرشدي أباظة وعمر الحريري وشقيقه صلاح.

في الكتاب، قراءة تأمّلية في أفلامٍ شارك في تأليفها وكتابة حواراتها، متوقفاً عند الكلمات الرومانسية التي كتبها في كُتيّب دعائيّ موزّع قبل عرض الفيلم.

المساهمون