عجز دولي أمام الإملاءات الروسية لإفراغ حلب

عجز دولي أمام الإملاءات الروسية لإفراغ حلب

10 ديسمبر 2016
تظاهرات في إسطنبول احتجاجاً على المجازر في حلب(بيرك اوزكان/الأناضول)
+ الخط -



لا تواجه المساعي الروسية لإخضاع مدينة حلب السورية أي تحرك دولي أو أممي فاعل، في ظل ما يبدو رضوخاً دولياً لمخطط موسكو الهادف إلى إفراغ حلب من المدنيين ومقاتلي فصائل المعارضة على حد سواء. وفي السياق، يبدو أن المفاوضات الروسية الأميركية، التي تشهد اليوم فصلاً جديداً على مستوى الخبراء العسكريين في جنيف، لا تخرج عن محاولة إفراغ حلب ودفع المعارضة لـ"انسحاب طوعي" من المدينة، مع إصرار الروس على المماطلة في هذه المفاوضات واستغلال إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حتى آخر لحظة بانتظار وصول دونالد ترامب وفريقه الجديد إلى البيت الأبيض، وهو ما يجعل البعض لا يعول أيضاً على أي خرق يحققه اجتماع مجموعة أصدقاء سورية الذي يعقد اليوم السبت في فرنسا بمشاركة وزراء خارجية قطر وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة لبحث سبل إيقاف القتل في مدينة حلب السورية.
كما أن الطروحات التي شهدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الجمعة، خلال مناقشة مشروع قرار لوقف فوري لإطلاق النار غير ملزم أظهرت محدودية قدرة المجتمع الدولي على التأثير أو الضغط على النظام السوري وروسيا ودفعهما إلى وقف الحملة التي تتعرض لها حلب، والتي شهدت منذ ليل الخميس وطوال يوم أمس الجمعة فصلاً دموياً إضافياً في ظل قصف لم يهدأ، أظهر عدم صحة إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن توقف العمليات العسكرية في المدينة. وواصلت طائرات النظام قصف الأحياء الشرقية المحاصرة، بالطائرات الحربية والمروحية. وقال الناشط الإعلامي، عمر العرب لـ"العربي الجديد" إنّ "طائرات النظام المروحية قصفت حيي الجلوم والمغاير المحاصرين، بالبراميل المتفجرة ما أدى إلى مقتل 27 مدنياً، بينهم نازحون من مناطق المواجهات، التي استمرّت طوال ليلة الخميس-الجمعة". وأضاف أن "قوات النظام مدعومة بالمليشيات شنّت محاولات عدة للتقدّم في أحياء الإذاعة، والمعادي، وبستان القصر، والشيخ سعيد وجب الشبلي، ما أدى إلى حدوث اشتباكات عنيفة، قُتل خلالها أكثر من عشرين عنصراً للنظام، وتمّ أسر أربعة آخرين، كما دمّرت المعارضة عربةً ناقلة جند مدرّعة، على جبهة حي جب الشلبي". ونفى الناشط الإعلامي، توقف الهجمات الروسية، على أحياء حلب الشرقية المحاصرة، لافتاً إلى أنها "تعمل على التمهيد أمام مقاتلي النظام ومليشياته، للتقدّم في ما تبقى من الأحياء تحت سيطرة المعارضة".
كما واصلت قوات النظام قصف الأحياء المحاصرة شرقي مدينة حلب بالطائرات والمدفعية، موقعة مزيداً من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، وذلك على الرغم من إعلان لافروف عن توقف العمليات العسكرية في المدينة، وهو إعلان سرعان ما تراجع عنه، قائلاً ان العمليات "لم تتوقف تماماً" لكن خفت وتيرتها بغية السماح بخروج المدنيين والجرحى من المدينة. فيما كانت خارجية النظام تقول إن "الحكومة السورية مستعدة لاستئناف الحوار" مع المعارضة "دون تدخّل خارجي أو شروط مسبقة"، بينما كانت القوات المسلحة الروسية، تدعي أن النظام بات يسيطر على 93 في المائة من مساحة حلب.


وفي ظل هذه الأجواء، تستمر معاناة المدنيين، وسط إقرار أممي للمرة الأولى بصحة المعلومات التي كانت تتسرب خلال الأيام الماضية عن فقدان المئات من الرجال بعد خروجهم من شرق حلب باتجاه مناطق خاضعة للنظام السوري، وهو ما أثار طروحات حول إمكانية أن تؤدي الأمم المتحدة دوراً في عمليات خروج المدنيين من المدينة بما يضمن سلامتهم.
وتأتي هذه التطورات في ما تشهد جنيف اليوم السبت مشاورات روسية-أميركية على مستوى الخبراء بشأن أزمة حلب، كما أعلن لافروف خلال مؤتمر صحافي عقده في هامبورغ أمس الجمعة، مشيراً إلى أن واشنطن "رحبت بموقف الجانب الروسي بشأن اقتراحاتها الجديدة حول تسوية الأزمة في حلب، باستثناء ملاحظتين أو 3 ملاحظات". واتهم في الوقت نفسه واشنطن بتغيير موقفها بصورة مستمرة. وقال: "إذا لم يغير الخبراء الأميركيون موقفهم مجدداً، تتوافر عندئذ فرصة لاتفاق على تسوية نهائية للوضع في شرق حلب من خلال مغادرة جميع المقاتلين من دون استثناء". وأضاف أن "كثيراً من الأمور غير مفهومة حول طريقة الولايات المتحدة خلال إجراء مفاوضات تتعلق بسورية". وإذ أكد لافروف أن "القتال في حلب سوف يستمر حتى طرد المسلحين من المدينة"، على حد وصفه، رأى مراقبون أن محادثات جنيف اليوم على مستوى الخبراء لا يعوّل عليها كثيراً لأنه ليس لدى الطرف الروسي ما يقدّمه سوى بحث تفاصيل انسحاب مقاتلي المعارضة بالكامل من شرق حلب، بينما تؤكد فصائل المعارضة في المدينة رفضها الانسحاب.
وفي المقابل، ليس لدى واشنطن ما تضغط به على الروس بعد أن تخلّت عن المعارضة طيلة الفترة الماضية، ولو أن لافروف، ومسؤولين روس آخرين، حاولوا أمس ابتزاز واشنطن على خلفية قرارها رفع القيود المفروضة على توريد الأسلحة إلى سورية. واعتبر لافروف أن هذا القرار سوف يؤثر على الوضع في سورية والمفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة، لكنه لن يؤثر كثيراً على وضع المعارضة شرقي حلب.
وبناء على التوافق الروسي-الأميركي الذي أشار إليه لافروف بشأن حلب، فإن المعطيات تشير إلى أن مفاوضات جنيف اليوم بين الخبراء الأميركيين والروس سوف تركز على تأمين "خروج طوعي" لمقاتلي المعارضة من المدينة المحاصرة، وذلك تحت الضغط العسكري المتواصل.
وتعليقاً على هذا الأمر، قال عضو المكتب السياسي في "الجبهة الشامية"، أبو اليسر، لـ"العربي الجديد": "لا نثق مطلقاً بروسيا فقد أفشلت سابقاً المحادثات التي جرت على مدى أسبوعين برعاية تركية في أنقرة، وكانت تحاول من خلالها إلهاء الفصائل عن التقدّم في الأحياء المحاصرة"، مشيراً إلى أن "المعارضة تقدّمت بمبادرة تبنّتها تركيا وبعض الدول الأوروبية من أجل إخراج الجرحى والمدنيين، لكن روسيا احتالت عليها بطرح هدنة من جانبها، ولم تلتزم بها". وأكد القيادي في المعارضة أن "موسكو تريد بمفاوضاتها الحالية مع الأميركيين، احتلال حلب وتفريغها من كل من يعارض رأس النظام، لكننا نرفض القبول بأي مخرجات تقضي بإفراغ المدينة من غير المدنيين، ومقاتلونا صابرون ثابتون في الجبهات حتى آخر نقطة دم".

المساهمون