عبد النبي العكري:من البحرين الى ظفار

عبد النبي العكري:من البحرين الى ظفار

أنس أزرق

avata
أنس أزرق
11 مايو 2015
+ الخط -
لم يفتر نشاط وحماس عبد النبي العكري الذي عرفته في دمشق كناشر وصاحب "دار الكنوز الأدبية". ولم أكن أعرف صفته الحزبية وعمله السياسي، ولا أن الاسم الذي يحمله ليس اسمه الحقيقي، وإن لفت نظري اهتمام الدار بإصدار كتب تاريخية عن البحرين ومنطقة الخليج العربي.

ما زال العكري يحمل هموم التقدم والعلمانية والعدالة الاجتماعية، ولكنه بات أكثر اهتماما بالقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان.

هو بحريني قبل أي شيء، يتذكر أنه طلب من الإمام الخميني، عندما زاره بعد انتصار الثورة عام 1979: "يجب أن يتدخل لإيقاف الأصوات التي تنادي بأن البحرين جزء من إيران، البحرين مستقلة، ونحن أصدقاء، ولكننا لسنا جزءا من إيران".

 لم يتخل عن انتمائه لليسار منذ أن انتسب في بيروت لحركة القوميين العرب- فرع الخليج، إلى تأسيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد" في البحرين 2001. وإن كان يفرق بين يسار ينتمي لمنطقته ويسار له امتداد أممي "الأحزاب التي لها امتداد قومي أو أممي لم تلق نجاحا في الخليج، هذه الحركات تأسست من نخبة درسوا في الحواضر العربية، وبتأثير من الحزب الشيوعي العراقي، و"تودا" الإيراني، فالكثير من أعضاء الحزب الشيوعي "تودا" جاؤوا إلى البحرين وإلى دبي بعد فشل حركة "مصدق". بالنسبة لليسار الذي انبثق من التيار القومي، هو أكثر تصالحا مع المجتمع كالجبهة الشعبية في البحرين، وحزب العمل في عمان، أو المنبر التقدمي في الكويت، هؤلاء خرجوا من الحركة القومية، ولم يكونوا معادين للدين".

هنا نص الحوار مع الناشط الحقوقي والسياسي البحريني عبد النبي العكري المشهور باسم حسن موسى:

* أي الاسمين تفضل: عبد النبي العكري أو حسين موسى؟
أحن إلى حسين موسى لأنه ارتبط بالفترة النضالية، نصف أهل البحرين يسمّونني حسين موسى، بمن فيهم زوجتي، واسم عبد النبي العكري للأوراق الرسمية فقط.
* من أطلق عليك اسم حسين موسى؟
المرحوم سعيد سيف، واسمه الحقيقي عبد الرحمن النعيمي، أعطاني هذا الاسم عندما كنت متوجهاً إلى ظفار بعد أن خرجت من البحرين في أيلول 1970 في مهمة إنشاء مزرعة بصفتي مهندساً زراعياً، فقد كانت هناك حاجة في المناطق المحررة من ظفار لتطوير الزراعة.
* كانت مهمة حزبية؟
نعم، كان "تنظيم الحركة الثورية في عُمان والخليج العربي" يضم مناضلين من كل منطقة الخليج، ويمثل يسار حركة القوميين العرب وكنت أحد أعضائه، وكان قريباً من "الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل"، وهو التنظيم الذي كان في ذلك الوقت يقود الكفاح المسلح في عمان وكان تنظيم الحركة الثورية يزودهم بما يحتاجون من كوادر خليجية غير قتالية كالأطباء والمعلمين والمهندسين.
* متى انتسبت إلى هذا التنظيم؟
انتسبت قبلها لحركة القوميين العرب عندما كنت أدرس في الجامعة الأميركية في بيروت، استقل يسار الحركة عن حركة القوميين العرب بتنظيم الحركة الثورية في عمان والخليج العربي في مؤتمر دبي فبراير/شباط 1968.

‫* من عّرفك إلى حركة القوميين؟
ضمني المرحوم عبد الرحمن النعيمي، وعلاقتنا بدأت عام 1963 واستمرت حتى توفي في سبتمبر/أيلول 2011 وكنا مترابطين في كل مراحل الحياة، كان أكبر مني بسنة، وكان قائدي في العمل الحزبي في الجامعة الأميركية، وكان متقدماً عليً دائما بمرتبة.

* كيف ذهبت إلى ظفار؟
كنا نعتبر ثورة ظفار محاصرة، وربما معروفة في الغرب أكثر من الوطن العربي. وقد كتبت عن هذه التجربة في كتابي "ذكريات الوطن والمنفى"، كانت ظفار بدائية جداً والغالبية من أهلها لا تتكلم اللغة العربية ما عدا أبناء المدن، معظم الناس يتكلمون الحميرية، ولا يستعملون الآلات ولا يعرفون إلا ثلاثة محاصيل، الدكر والذرة البيضاء والبامية.
ومن الترف أن يكون لديك حذاء أو معجون أسنان، طبعا سلطان عُمان السابق كان يمنع لبس الحذاء، لكن في ظفار من الضروري لبس الحذاء لأن الأرض وعرة، ومع ذلك كان معظم السكان لا يلبسونها.
‫أقمت سنتين 1971-1972 حيث فشلت تجربة مزرعة الأبقار بسبب القصف.
الأشخاص الذين كانوا معي معظمهم من الطلبة وهاجسهم القتال، كلما سمعوا بمواجهة مع الجيش يلتحقون بالجبهة. أنجزنا تجربة محاصيل كالخضروات والقمح والذرة وأدخلنا الحراثة لأول مرة وكذلك الري بالمضخة.
‬ تركت بسبب المشاركة في مؤتمر أهلي لتوحيد الجبهتين الجبهة الوطنية والجبهة الشعبية وبقيت أتنقل في المنطقة ثم أصبت في غارة جوية، فذهبت إلى مكتب عدن للجبهة، وصرت مسؤول الإعلام وعضو لجنة العلاقات الخارجية حتى 1977.

* مع من كانت صِلاتك؟
كنت أعرف كل القيادات اليمنية، كان من السهل الوصول لهم، كانوا يزوروننا في بيوتنا مثل سالم ربيع، علي ناصر محمد، علي سالم البيض... الخ
دعمت الجبهة القومية الحاكمة في اليمن الجنوبي كل الفصائل الفلسطينية وحركات التحرر العالمية، وكان هذا قرارا، بغض النظر عمن يستلم، حتى بعد هزيمة الثورة عسكريا لم يتخلوا عنها.
* مع من كنتم في هذه الصراعات؟
حتى عام 1974 كنا تنظيما واحدا "الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي" ولكن تقرر الاستقلال التنظيمي، فأنا من عام 1974 كنت معارا للجبهة الشعبية لتحرير عمان، لم ننحز إلى أي طرف وهم في المقابل لم يزجوا الجبهة في صراعاتهم.

‫‬* وأصبحت في هذه الفترة مطلوباً للسلطات البحرينية؟
كنت مطلوباً في البحرين وكل الخليج بتهمة الانتماء لحزب سري، وهو الحركة الثورية ثم الجبهة الشعبية.

* خرجت من عدن عام 1977؟
نعم، تلاشت ثورة ظفار، كنت منذ عام 1977 حتى 1982 بين سورية ولبنان، لم أكن متزوجاً حينها، عام 1982 استقررت في سورية، وقد أخذنا خطاً بالاعتماد على أنفسنا، فأسسنا دار الحقيقة ودار الحضارة الجديدة ثم دار الكنوز الأدبية.

* ألم تدعمكم الحكومة السورية؟
لا، كانوا يدفعون فقط الهاتف والماء والكهرباء للمكتب.

‫‬* تحت أي غطاء كنتم ؟
فتحوا مكاتب لحركات التحرر المختلفة، نحن والعمانيون والمصريون، منذ عام 1978 كانت علاقتنا بالقيادة القومية لحزب البعث.

* وتتحركون بجوازات سفر؟
يمنية جنوبية. بعد الوحدة حصلنا على جوازات الجمهورية اليمنية.
بدأ الضغط على دمشق لإقفال مكاتبنا من قبل الحكومات الخليجية بعد مشاركة سورية ضمن التحالف الدولي لتحرير الكويت، وكان عبد الرحمن النعيمي ممن وقع عريضة لاستنكار التحالف، فاعتقل وسجن في فرع فلسطين للأمن العسكري من أيلول إلى أن تم تحرير الكويت.

* ألم تحاولوا التوسط له؟
نعم، وكانت النتيجة السماح لزوجته بالزيارة، وفي النهاية أغلق المكتب 1992، بعد منع صحيفة 5 مارس الناطقة باسم الجبهة، ثم حقق معي مرتين في الفرع 289، ورغم ذلك بقيت في سورية حتى فبراير/شباط 2001 .

* متى بدأت اتصالات الحكومة البحرينية بكم؟
نحن من بادرنا، قابلت في جنيف الشيخ عبد العزيز التويجري وكيل الحرس الوطني السعودي ومستشار ولي العهد الأمير عبد الله وقتها وكان التويجري قد توسط لجماعة الشيخ حسن الصفار "منظمة الثورة الإسلامية" وعادوا إلى السعودية، استجاب التويجري وزار البحرين بتكليف من ولي العهد الأمير عبد الله ووجد تفهما من الشيخ عيسى الذي كان طيباً، ولكن ليس بيده القرار، وحوّل قضيتنا إلى رئيس الوزراء الحالي الشيخ خليفة بن سلمان فقال له "خلّهم يخيسون".
مع العهد الجديد تم الاتصال بنا عن طريق الأستاذ حسن فخرو وهو وزير الاقتصاد والتجارة حالياً، وأخته هي المناضلة الشهيدة ليلى فخرو التي كانت مسؤولة المدارس في ظفار.
 
* ما هي ترتيبات عودتكم؟
بدون أي ضمانات سياسية، أُعطيت لنا ورقة مرور، وليس جواز سفر، وطلب منا السفير تسليمه الجوازات اليمينة، فرفضنا وسلمناها للسفارة اليمنية.

* التقيتم بالملك؟
نعم، التقى بقيادة الجبهتين الشعبية والتحرير اليساريتين الآتيتين من الخارج، طلبنا الترخيص للعمل السياسي، فوعد بذلك على شكل جمعيات، وطلبنا تغيير الوزارة باعتبارها مسؤولة عن الخراب لثلاثة عقود.
‫‬* ماذا فعلت منذ عودتك؟
استأنفت نشاطي في الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وكان هناك مشروع لتنظيم اليسار، ولكنه لم ينجح، وبالتالي شكلنا جمعية "وعد" التي رخص لها في 2001، وانتخبت عضو اللجنة المركزية واستقلت منها عندما انتخبت رئيساً للجمعية البحرينية للشفافية.
* كان هناك جو جديد في البحرين مع وصول الملك الحالي، ما الذي حدث في البحرين؟
أعتقد أن الذي حدث منذ البداية هدفه امتصاص الأزمة وليس بناء نظام جديد، كان هناك حالة من الاحتقان الشديد، فجاء الملك وطرح ميثاق العمل الوطني، ونجح بنسبة 98.4 % وذلك بتشجيع من المعارضة، ولكن يا فرحة ما تمت، فبعد سنة صدر دستور عام 2002 بإرادة منفردة والذي يكرس الملكية بسلطات واسعة.
* هناك انقسام في الشارع البحريني؟
يوجد فجوة وعدم ثقة، مجتمعاتنا العربية ليست بريئة، نحن نتعايش ولا نعيش مع بعض، مثلاً لو أخذنا أي بلد عربي ما هو حجم الزواج المختلط؟ ما هو حجم العمل المختلط؟ هناك تداخل على صعيد النخب أما على صعيد العامة كل يذهب لمسجده وله أعياده ومناسباته الخاصة. في البحرين كانت هناك إرهاصات في الخمسينيات، عندما كانت هناك قيادة معارضة واحدة هي هيئة الاتحاد الوطنية.
* ولكن كان يغلب عليها الطابع الشيعي!
بحكم أن الأغلبية شيعية، ولكن كان التشابك بين الناس أفضل من الآن، أنا مثلا، شيعي بحكم المولد ولكن زوجتي من اليمن وشافعية المذهب.

اقرأ أيضاً: "إخوان" البحرين والتصنيف السعودي: وضع خاص

المساهمون