عام لويس عوض

عام لويس عوض

22 فبراير 2015

لويس عوض (1915-1990)

+ الخط -

اعتمد المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في اجتماعه في أبوظبي، يناير/كانون الثاني الماضي، قراراً باعتبار العام الجاري، 2015، عام لويس عوض. ومع أن قرارات هذا الاتحاد لا تؤخذ، عادةً، على محمل الجد، ومع أرجحية أن تكون القصة حبراً على ورق، وإنما تلبي مقترحاً مصرياً، إلا أن الانتباه إلى اسم لويس عوض يعد أمراً محموداً. وإذ أحيا المجلس القومي للثقافة في مصر احتفالية بمئوية لويس عوض (1915- 1990)، وإذ يتواتر النشر في الصحافة الثقافية المصرية عن الأديب والمثقف الكبير، فإنه بالنظر إلى الكسل والرتابة إياهما في أداء الصحافة الثقافية العربية، ليس متوقعاً أن تتم استعادات جديدة ومتجددة لمنجز لويس عوض الثقافي والفكري والأدبي، تطلُّ عليه بمراجعاتٍ نقدية، تقع على الجوهري في مشروعه، للإفادة من الإضاءات التي أحدثها هذا الكاتب المصري، وهو الذي اتصف بسمتٍ نقدي وجريء وثوري، وإن أخذته شمائله هذه إلى شطط وتسرع في بعض المطارح، غير أن في اشتباكه مع غير قضية ومسألة في الثقافة العربية، في اللغة والأدب والفكر، مقادير استنارة عالية القيمة، من شديد الضرورة استعادتها، الآن، في أتون حالة الارتداد السقيم في الراهن العربي الكئيب.

صاح لويس عوض في الأربعينيات: حطموا عمود الشعر العربي. وكتب قصائد جريئة في تجريب كان جديداً، يقوم على استبدال العمود العروضي بإيقاعات أخرى، قال إنها "أكثر تعبيراً عن الروح الشاعرة". كان عوض في ضربته تلك رائداً، وثمّة دارسون ينسبون إليه الأسبقية الأولى في كتابة قصيدة التفعيلة العربية على نازك والسياب. ظلت الروح الثورية على المحافظة والتقليد تسكنه، وانطبعت مواقفه بنزوعٍ ظاهر إلى الحداثة الأوروبية، وهو أستاذ أكاديمي لافت في الأدب الإنجليزي، وترجم عيونا منه، ومن المسرح اليوناني القديم، وتنوّع صنيعه الثقافي، فكتب الشعر والرواية والسيرة والمسرح والدراسة والنقد والمقالة، واشتغل بالتدريس الجامعي. وفي هذا كله وغيره، برز لويس عوض مثقفاً سجالياً، وإشكالياً في ميله إلى إيلاء الموروث الفرعوني مكانة خاصة. وبسبب مواقف له، انحازت إلى الديمقراطية، اعتقل في عام 1954، وكثيراً ما حسب مثقفاً غير عروبي، مناهضاً لثورة يوليو.

وحين يُدعى، هنا، إلى انتباهٍ متجدد، نقدي، بلويس عوض، فذلك لا يعني الاستسلام المجاني لقناعاته، أياً كانت، بل للاستضاءة بهاجس المثقف المزعج الذي كان عليه، وهو يناوش المسلمات، ويرجّ الشائع والبديهي. وفي البال أن مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر واجه كتابه "مقدمة في فقه اللغة العربية"، فصودر لدى نشره في 1980، مع أن لجنة علمية في مجمع اللغة العربية، في حينه، لم تر سبباً لذلك، ولذلك، فإن الانتصار للويس عوض، بعد نحو خمسة وثلاثين عاماً من تلك الواقعة، يعني انتصاراً لحرية التفكير في زمننا هذا. وكان الرجل محقاً في سؤاله، في تلك الأثناء، "عن جدوى كليات الآداب وأقسام اللغة العربية في الجامعات، إذا كانت المناقشة العلمية لجذور اللغة قضية أمن دولة وتكفير". وفي وسع أهل الاختصاص أن يعيدوا الاعتبار إلى الأديب الراحل، لو أطلوا على كتابه مجددا، ونفضوا ما فيه، وردّوا على الاجتهادات التي اشتمل عليها، وقد عرفنا أن طبعةً لاحقةً صدرت منه، من دون كثير التفات إليه.

نجدنا مضطرين إلى شكر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، لأنه يسّر مناسبةً للالتفات إلى مثقفٍ عربي، خاصمه الأصوليون والمحافظون والتقليديون، بما لم يكن فيه، وذهب بعضهم إلى لغة مستنكرة بحقه، وخالفه نقاد ومفكرون في جدال رفيع، نظنّنا في حاجة إلى مثله، وبين ظهرانينا من يشكّك، في منابر ذائعة، بكروية الأرض، وثمّة من يخوض في الأصح، في تكفير الخاصة أم العامة من طائفة مسلمة. ... لويس عوض، شرارة مضت في الثقافة العربية تستحق إعادة الاعتبار والتقدير، في عام مئويته هذا، وبعده أيضاً.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.