عامان على قمة ترامب وكيم: طريق مسدود لدبلوماسية الرسائل

عامان على قمة سنغافورة بين ترامب ــ كيم: طريق مسدود لدبلوماسية الرسائل

13 يونيو 2020
عقد ترامب وكيم ثلاث قمم (سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -


بعد عامين على القمة التاريخية التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة، وكانت الأولى التي تعقد بين زعيم كوري شمالي ورئيس أميركي يتولى مهامه، خابت آمال قلّة من المحللين كانوا قد توقعوا أن تتمكن "دبلوماسية الرسائل" الشخصية بين الرجلين، والتي روّج لها ترامب، من إحداث اختراق في ملف شبه الجزيرة الكورية، وحتى تلك التنبؤات تحدثت عن إمكانية توقيع اتفاق في نهاية الولاية الأولى لترامب في البيت الأبيض يحفظ له ماء الوجه. هذا الملف الشائك، والذي تتقاطع فيه عوامل عدة، من بينها العلاقة بين بيونغ يانغ وبكين، يبدو اليوم وكأنه يعود إلى نقطة الصفر، مع ارتفاع نسبة التوترات والتصعيد الكلامي، وتحذير كوريا الشمالية من مرحلة مظلمة، على الرغم من أن هذا التحذير يدخل أيضاً في نطاق الضغط على الرئيس الجمهوري المحاصر بعدد كبير من المشاكل، قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية.

وتواصل بيونغ يانغ، منذ أيام، شنّ حملة كلامية هدفها الإضرار بالاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي ينتظره ترامب، والذي يسعى فيه إلى ولاية ثانية. ويأتي ذلك في وقت لم تتمكن القمم الثلاث لترامب وكيم، والتي عقدت على مدى العامين الماضيين، من تحقيق أي تقدم ملموس على صعيد السلام في شبه الجزيرة الكورية، وإخلائها من الأسلحة النووية، أو تطبيع العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ. وبعدما دخل ترامب إلى البيت الأبيض بوعود فضفاضة لإنهاء هذا الملف، وهو ما لم يتمكن أي من أسلافه من اجتيازه، مسوقاً لقدراته التفاوضية، ولإنجازٍ لم يبصر النور يرتبط بالأجندة الخارجية للولايات المتحدة، يتجنب البيت الأبيض اليوم التطرق للملف الكوري الشمالي، مكتفياً بالإشارة إلى تمكن ترامب من تخفيف التصعيد والاحتقان في شبه الجزيرة، والإشارة للعلاقات الشخصية الجيدة التي تمكن من نسجها مع كيم. لكن هذا الترويج، الذي لا يزال يترافق منذ قمة سنغافورة مع عدم استفزاز عسكري أميركي كبير في المنطقة، لم يعد يرضي بيونغ يانغ اليوم، التي أكدت أن آمال السلام التي بينت في عام 2018 تلاشت، في ضربة جديدة لحملة الرئيس الأميركي، التي تشعر في المقابل بأن ليس لديها الكثير لتجنيه من وضع كوريا الشمالية على رأس عناوينها.


وتعتمد مقاربة كوريا الشمالية للملف على عوامل عدة، أبرزها التحضر لما ينتظرها في 2021 مع بقاء ترامب في البيت الأبيض، أو وصول رئيس ديمقراطي إلى السلطة. كما تنظر بيونغ يانغ، وفق حساباتها الداخلية، لما ستجنيه أو لا من الحفاظ على تصعيد منخفض المستوى مع كوريا الجنوبية. هذا المستوى المنخفض من التصعيد ينسحب أيضاً على اختباراتها حتى الآن لصواريخ بالستية قصيرة المدى. ويأتي ذلك من دون إغفال تطورات التصعيد بين بكين وواشنطن، ومراقبة ما يجري في الداخل الكوري الشمالي، والذي يشوبه الغموض، بعدما سرت إشاعات خلال الأشهر الماضية ترتبط بصحة كيم. ولا تزال واشنطن تقلل من أهمية اختبارات بيونغ يانغ الصاروخية، للحفاظ على مكتسبات ترامب، جرّاء انفتاحه على هذا البلد.

وبعد يوم من تحذيرها ضمنياً لواشنطن بقدرتها على الإخلال بالانتخابات الرئاسية، انتقدت كوريا الشمالية، أمس الجمعة، الرئيس الأميركي، في تنديد لاذع بالولايات المتحدة في الذكرى الثانية للقمة الأولى بين ترامب وكيم. واتهم وزير الخارجية الكوري الشمالي، ري سون غوون، واشنطن بـ"النفاق" والسعي الى تغيير النظام، قائلاً إن آمال العام 2018 "تلاشت"، ليحل محلّها "كابوس مظلم". ورأى ري، في بيان نشرته وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، أنه "لا نفاق أكثر من إطلاق وعد فارغ"، مضيفاً أن "الأمل بتحسين العلاقات (بين البلدين) التي كانت مرتفعة جداً، ومحطّ أنظار العالم بأسره قبل عامين، تحول الآن إلى إحباط يتسم بتدهور متسارع". وقال الوزير إنه على الرغم من أن شعبي البلدين يرغبان بالسلام، إلا أن واشنطن "عازمة على تأزيم الوضع". وتابع أنه "نتيجة لذلك، أضحت شبه الجزيرة الكورية حالياً أخطر نقطة ساخنة في العالم"، ويُطاردها "باستمرار شبح الحرب النووية". وكتب أن رغبة الكوريين الشماليين في إنهاء فترة العلاقات "العدائيّة" بين بيونغ يانغ وواشنطن، وفي "فتح حقبة جديدة من التعاون والسلام والازدهار"، أصبحت "أعمق من أي وقت مضى". غير أنه اعتبر أنه "حتى الشعاع الضعيف من التفاؤل بالسلام والازدهار في شبه الجزيرة الكورية" قد تلاشى، تاركاً مكانه "كابوساً مظلماً". وبعدما كان ترامب قد ركّز كثيراً على علاقته الشخصية الجيدة مع كيم، وتبادلهما الرسائل، أكد ري أنه لم يعد هناك أمل بتحسين العلاقات "عبر مجرد الحفاظ على علاقات جيدة بين زعيمنا الأعلى والرئيس الأميركي". وفيما لم ينتقد ترامب بالاسم، أشار الوزير الكوري الشمالي إلى تعليقات "أدلى بها سيّد البيت الأبيض"، قائلاً "لن نقدم بعد الآن أبداً له أي حزمة جديدة يمكن استخدامها من دون تلقي أي مقابل". وقال في هذا الإطار، إن "السؤال هو عما إذا كانت هناك حاجة لمواصلة المصافحة في سنغافورة، حيث نرى أنه لا يوجد تحسن واقعي في العلاقات بين جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية والولايات المتحدة ببساطة عن طريق الحفاظ على علاقات شخصية بين قيادتنا العليا والرئيس الأميركي". واتهم الولايات المتحدة باستخدام ادعائها بالرغبة في تحسين العلاقات، من أجل إخفاء رغبتها في "تغيير النظام"، وتهديد بلاده باحتمالات توجيه ضربة نووية استباقية. ورأى ري أن السياسة الأميركية تثبت أن واشنطن لا تزال تمثل تهديداً طويل الأمد للشعب الكوري الشمالي، وأن الشمال سيبني قوات أكثر كفاءة للتصدي للخطر العسكري الأميركي. وأضاف أن "الهدف الاستراتيجي الآمن لكوريا الديمقراطية هو بناء قوة أكثر موثوقية، للتعامل مع التهديدات العسكرية طويلة المدى من جانب الولايات المتحدة".

وكانت كوريا الشمالية قد حذرت، أول من أمس الخميس، الولايات المتحدة من التدخل في الشؤون الكورية إذا كانت تريد ضمان تنظيم انتخابات رئاسية سلسة، بعدما عبّرت واشنطن عن استيائها من قطع بيونغ يانغ الاتصالات مع سيول. وقال المدير العام لوزارة الشؤون الأميركية في الخارجية الكورية الشمالية، كون جونغ غون، إن على واشنطن "أن تضبط لسانها وتهتم بشؤونها الداخلية أولاً"، إذا أرادت ضمان "حسن سير" انتخاباتها الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

ودخلت الصين، أمس، على خطّ التصعيد، معتبرة أنه يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة مخاوف كوريا الشمالية. ورأت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ، أن أحد أسباب تدهور العلاقات الثنائية منذ قمة سنغافورة، هو أن المخاوف المشروعة لكوريا الشمالية لم يتم حلّها.

وكانت بيونغ يانغ قد قطعت خلال اليومين الماضيين، كل الاتصالات الرسمية مع سيول، على خلفية قيام ناشطين بإرسال منشورات إلى الشمال مناهضة للنظام الشيوعي. وجاء ذلك بعد ضغط متواصل منها على جارتها الجنوبية، لتحدي العقوبات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، واستئناف المشاريع الاقتصادية بين الكوريتين، التي من شأنها أن تبث الحياة في الاقتصاد المتعثر لكوريا الشمالية. كما هددت بإنهاء اتفاق عسكري بين الكوريتين تم التوصل إليه في العام 2018.

وكان ترامب قد أكد بعد قمة سنغافورة أنه "لم يعد هناك تهديد نووي من كوريا الشمالية". لكن لقاء ثانياً له مع كيم في هانوي، في فبراير/ شباط من العام الماضي، لمتابعة ما أعلن في سنغافورة بشأن "العمل في اتجاه إخلاء كامل لشبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية"، انهار بسبب الخلاف حول التنازلات التي يمكن أن تقدمها بيونغ يانغ مقابل تخفيف العقوبات. وتعثرت المفاوضات بعدما رفضت واشنطن مطالب كوريا الشمالية بتخفيف العقوبات على نطاق واسع، مقابل تنازل جزئي عن القدرات النووية لبيونغ يانغ. والتقى ترامب وكيم مرة ثالثة في يونيو/حزيران 2019 في المنطقة المنزوعة السلاح الفاصلة بين الكوريتين، لكن اللقاء لم يحقق أي نتائج ملموسة. وطالبت كوريا الشمالية باستمرار بأن تقدم لها الولايات المتحدة تنازلات جديدة بحلول 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لكن المهلة مرت بدون الحصول على شيء. ويعرب دبلوماسيون أميركيون عن اعتقادهم بأن كيم وعد بالتخلي عن ترسانته من الأسلحة، وهو ما لم تقم بيونغ يانغ بأي خطوة باتجاهه. ويعتقد محللون أن بيونغ يانغ واصلت تطوير ترسانتها العسكرية والنووية حتى خلال المحادثات. في المقابل، تعتبر كوريا الشمالية أنه كان يجب مكافأتها بسبب تجميدها تجارب الصواريخ البالستية والعابرة للقارات، وتفكيك موقع تجارب نووية، إلى جانب إعادة مواطنين أميركيين كانوا مسجونين لديها ورفات جنود قتلوا في الحرب الكورية. ونتيجة لذلك، دخل كيم العام الحالي متعهداً بتعزيز الردع النووي لبلاده.

(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)