ضد داعش وضد الحلف الإيراني

ضد داعش وضد الحلف الإيراني

13 سبتمبر 2014

حوثيون يغلقون الشوارع في صنعاء (8 سبتمبر/أيلول 2014/الأناضول)

+ الخط -

لحسن الطالع، وقبل ذلك لحسن التدبير، أخفق مسعى طهران ودمشق، في إعادة التأهل وركوب قاطرة الحرب على داعش والإرهاب. لم ينجح تدليس النظامين في تزيين سياسة كل منهما، وكذلك سياستهما المشتركة، على أنها تستهدف الإرهاب.

منذ غزا داعش الموصل في يونيو/حزيران الماضي، نشطت فصائل طائفية، في العراق، في ارتكاب مجازر، مستغلة تركيز الاهتمام على تنظيم الدولة الإسلامية. ونشطت فرق الموت في استهداف مكون مذهبي واحد في بغداد، وإلقاء جثث يومياً في نهر دجلة، وهي فرق وفصائل تتمتع بدعم طهران.

وفي سورية، يواصل نظام الكيماوي والبراميل المتفجرة نشاطه المحموم ضد المدنيين، وأحياناً، ضد المعارضين المسلحين، الذين يدافعون عن شعبهم، بدعم من طهران وموسكو.

في اليمن، يمضي الحوثيون المسلحون، المدعومون من طهران، في مسعاهم الدؤوب إلى الاستيلاء على الدولة، وفي التمييز بين اليمنيين، على أساس الطائفة والمعتقد المذهبي، والتأسيس لحرب أهلية، ويعبّرون عن وجهات نظرهم باستخدام الأسلحة الثقيلة، ومعها قدر كبير من ذر الرماد في العيون.

يرمي الحلف الإيراني، في المنطقة، إلى توظيف الحرب على داعش، لمصلحته وتعزيز نفوذه، القائم، أساساً، على حيثيات طائفية ومذهبية، وعلى توسيع الوجود الإيراني وتعميقه في المنطقة، (مقتدى الصدر في العراق شرع في انتقاد التدخل الأميركي العسكري ضد داعش، ودعا إلى استعانة بلاده بمن أسماهم الحلفاء، ويقصد النظام الإيراني)، وعلى الاحتكام للسلاح والتنكيل بالمدنيين وترويعهم، واستباحة حدود الدول، والعبث الخطير بنسيجها الاجتماعي، والعمل على تغليبٍ طائفي في المنطقة، وهذا بالضبط ديدن داعش.

وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، والناطقون الأميركيون، قبل خطاب باراك أوباما، أجمعوا، في مناسباتٍ مختلفةٍ، على أن لا تعاون مع النظامين، السوري والإيراني، في الحرب على هذا التنظيم، وعلى أنهما مسؤولان عن ظهور هذا التنظيم وتمدده. وما لم يقله مسؤولون في واشنطن أن النظامين أسهما في قسط وافر، لسنوات عجاف، في حروب التطهير والاستئصال ضد مكونات اجتماعيةٍ، وكتل شعبية كبيرة وعريضة في سورية والعراق، شأن داعش الذي يكمل، على طريقته، المسيرة التدميرية التي شقّها النظامان، من أجل إرساء "شرق أوسط جديد"، تتسيّد فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذراعها نظاما دمشق ونوري المالكي سابقاً في بغداد، وبتعاونٍ وثيق مع موسكو. ولا محل فيه لإرادة الشعوب ولسيادة الدول واستقلالها.

استهداف داعش إقليمياً ودولياً يضع حداً لاستثمار الإيراني و"السوري" هذا التنظيم، ويزيح الورقة، التي تتستر بها دمشق وطهران للتغطية على تغولهما ضد شعوبٍ عربيةٍ، في مقدمها الشعبان السوري والعراقي، وأن يعيد تركيز الأضواء على فظائع يرتكبها النظامان وأدواتهما.

في النهاية، لن يقرر مصير الشعوب العربية سوى هذه الشعوب نفسها، وتلك رسالة الربيع العربي التي لم تنطفئ. لكن، مع الخلط المتمادي في الأوراق السياسية، ومع التدخلات الهائلة لقوى من خارج المنطقة، ومع الأممية الممسوخة لداعش، ومع استجلاب النظام في دمشق دعماً إيرانياً وروسياً وصينياً في حربه المفتوحة على شعبه، لا مفر من مشاركةٍ إقليمية ودولية، لوضع حد لهذه المخاطر، التي يفيض خطرها خارج المنطقة. وليس ذلك بعيداً عن الشرعية الدولية ومظلة الأمم المتحدة (قرار مجلس الأمن 15 أغسطس/آب تحت الفصل السابع)، فيما تتواصل العقوبات الإقليمية والدولية على نظامي طهران ودمشق، ويوضع الحكم العراقي (حكومة حيدر العبادي) في دائرة الاختبار، بأن يتوقف نهائياً دعم السنوات الثماني الماضية للدواعش الأخرى، التي ترعاها طهران (ميليشيات القتل والتهجير الطائفية) خلال الحرب على داعش وبعدها.

إن أية تدخلات محدودة في الزمان والمكان، مهما كان حجمها وقوة ضغطها على داعش،  لن تسلب الشعوب حق تقرير المصير، والتقاطع الآني في المصالح يتعين أن لا يسُدّ الطريق أمام الشعوب، وقواها الحية، لتقرير مصيرها وفق إرادتها الوطنية، وطي صفحة  التدمير والاستنزاف الداخلي، ووقف التدخلات الفظة والدائمة لطهران في شؤون المنطقة، واستكمال ذلك باستقلال الإرادة السياسية للدول والشعوب عن المراكز الدولية، وأن يتم وضع حد نهائيٍّ لمعادلة الأمر الواقع المقيتة: إما داعش، بفظائعه المشينة ومخاطره الداهمة، أو الدواعش الأخرى، التي ترعاها إيران، الرامية إلى الاستيلاء على المنطقة، ولو أدى هذا الاستيلاء إلى إبادة شعوبٍ، كما يقع على الشعب السوري منذ 42 شهراً.

والآن، لا شك في أن الحلف الإيراني أصاب قدراً من النجاح، في تحويل المنطقة إلى مسرحٍ للحرائق المشتعلة المتنقلة، وهو ما جرى التهديد به، مراراً، منذ اندلاع الانتفاضة السورية منتصف مارس/آذار 2011، بالنظر إلى التوتر عالي المستوى، الذي ما انفكّ يشهده العراق ولبنان واليمن، وما ستشهده المواجهة الإقليمية والدولية المرتقبة مع تنظيم الدولة الإسلامية من انفجاراتٍ لا يعلم أحد مداها. غير أنه من الثابت أن تغييراً بدأ يسري على قواعد "اللعبة"، فقد خاضت طهران حرب النفوذ والتمدد، سعياً إلى تعظيم نفوذها في المنطقة والعالم، وخاضت موسكو حرباً باردة خلفية مع الولايات المتحدة والغرب، وتعاظم وجود تنظيمي القاعدة وداعش، المنشق عن التنظيم الأم، في ظل انكفاءٍ أميركي وغربي، عبرت عنه حمائمية الإدارة الديمقراطية الأميركية. وها هي الظروف تجتمع، من إعدام صحافييْن أميركيين، إلى حلول ذكرى " 11 سبتمبر/أيلول"، إلى ضغط الانتخابات التشريعية والرئاسية في أميركا، إلى ضغوط أطراف إقليمية على واشنطن، وحثها على التدخل، إلى التعاون الذي اضطرت موسكو وبكين إلى إبدائه في مجلس الأمن، من أجل إنضاج المواجهة مع داعش، وبيئته السياسية والاستخبارية المركبة في المنطقة، وهو ما ينبغي أن يفتح الباب أمام تطويق حروب التطهير والاستئصال، التي تفاقمت عقابيلها على الشعوب، وكان داعش آخر حلقاتها.