شيكات لإجهاض الحلم العربي

شيكات لإجهاض الحلم العربي

23 يونيو 2014
+ الخط -
الرعاية المالية السخية التي وفرتها الدول الثلاث (السعودية، الإمارات، الكويت) لمشروع الانقلاب العسكري في مصر غير مسبوقة في الانقلابات التي عرفتها دول كثيرة، في السبعينيات والثمانينيات، في إفريقيا وآسيا وأميركا.
قال رئيس مصر الجديد، عبد الفتاح السيسي، في أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، إن السعودية وحدها منحت مصر، في السنة الأولى للانقلاب، أكثر من ٢٠ مليار دولار، ولنا أن نتصور حجم مساهمة الكويت والإمارات في هذا المشروع الانقلابي، فعادة ما تمنح الدولتان، كلٌّ على حدة، نصف أو ثلثي الإعانات التي تقدمها الرياض إلى شقيقاتها العربيات. وعليه، إننا أمام ميزانية لا تقل عن ٤٠ مليار دولار، وضعت في خزانة الانقلاب العسكري في مصر، لمساعدة العسكر مالياً وسياسياً على إزاحة رئيس منتخب، وتوقيف زحف الربيع العربي، وإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء.
كان الخبراء في الانتقال الديمقراطي، قبل موجة الحراك العربي، يعتبرون أن مشروع الإصلاح السياسي في العالم العربي يواجه صعوبات كثيرة، وعوائق متعددة، منها، استبداد الأنظمة القائمة، وعدم استعدادها لدخول تجربة التحول الديمقراطي، ضعف الأحزاب، وتشتت صفوف المعارضة، ووهن المجتمع المدني، وغياب توافقات منتجة بين الإسلاميين والعلمانيين حول خارطة طريق نحو الديمقراطية، ما يجعل أنظمة الاستبداد العربي تلعب على تناقضات الفرقاء الأيديولوجيين، من أجل سيادة مشروع الاستبداد. وكانوا يعتبرون أن الغرب المنافق لا يساعد على تحول ديمقراطي جدي للسلطة في العالم العربي، وإن دخول العرب إلى نادي الديمقراطيات الحديثة يهدد مصالح الغرب في المنطقة، ويهدد أمن إسرائيل، ويجعل من الأنظمة العربية دولاً ذات سيادة وقرار وتأثير على السياسة الدولية ...
لكن، من بين كل هذه العوائق، لم يكن الخبراء يعتبرون أن البترودولار يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في إجهاض الحلم العربي، في تحول ديمقراطي، تلح الشعوب على التضحية من أجله، بالغالي والنفيس، ثم تأتي دولة عربية غنية فتمول انقلاباً عسكرياً تمويلاً كاملاً، تحت أعين العالم، وبمباركة القوى الغربية المؤثرة، وهذا تحدٍّ جديد في حجمه، إن لم يكن في نوعه.
يوم استقبلت السعودية الديكتاتور التونسي، زين العابدين بن علي، ووفرت له الملجأ، بعد هروبه من بلاده التي حكمها بعصابة بوليس فاسدة، اعتبر كثيرون ذلك وفاءً لشرطي كان يقدم خدمات لدول عربية، وإن السعودية والإمارات والكويت والبحرين، وإن كانت لا تنظر بعين الرضى إلى ثورة الياسمين في تونس، أو ثورة ميدان التحرير في مصر، أو الحراك في اليمن، فإنها لن تجرؤ على التورط، مباشرة، في قيادة ثورة مضادة على ثورة الشعوب، ولن تستعمل دفتر شيكاتها من دون حساب لمصالحها، ولا تلتفت إلى رد فعل شعوبها، ولا إلى سمعتها لدى الشارع العربي... لكن، حدث ما لم يكن متوقعاً، وصدم  الرأي العام من استعمال دول في الخليج ثروة هائلة من صناديق عائدات النفط لإجهاض الحلم الديمقراطي العربي، ولتشجيع العسكر في مصر على راقة الدماء، وسجن آلاف وحكم بالإعدام على مئات، وإرجاع أكبر بلد عربي إلى عهد  أسوأ من أيام حسني مبارك.
استعملت هذه الدول ورقتين خطيرتين، لإجهاض الربيع العربي الذي رأت فيه أكبر تحدٍ لسلطتها، واستعملت ورقة البترودولار، واستثمرت في مشاريع الانقلاب والثورات المضادة مليارات الدولارات، ظناً منها أن كل شيء يشترى بالمال، وكل الأخطار يمكن دفعها بالدولار. واستعملت ورقة التيارات الدينية المتزمتة، المنتشرة في أكثر من بلد عربي، فلعبت هذه التيارات دوراً خطيراً في جر تونس ومصر، بالتحديد، إلى معارك أيديولوجية حادة مع التيارات الليبرالية واليسارية والإسلامية، لمنع التوافق على انتقال ديمقراطي حقيقي، وإغراق البلاد في تقاطعات حادة بين المؤمنين والكفار، لا تنتهي سوى بالحرب الأهلية، أو عودة الدولة العميقة إلى الصدارة، ومن ثم إجهاض الثورة.
رأينا كيف كان حزب النور السلفي في مصر يزايد على "الإخوان المسلمين" والرئيس محمد مرسي، في موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية، والإلحاح على نص الدستور صراحة على تأكيد الطابع الإسلامي لمصر، وجعل الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع. ومباشرة، بعد أن حرك السيسي دباباته إلى القصر الجمهوري، قفز الحزب إلى مقدمة الذين يباركون الانقلاب، بل ويجتهدون للبحث له عن أصلٍ في الإسلام، يجيز إمامة المتغلب.  


 

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.