شركاء القتل في غزة

شركاء القتل في غزة

18 مايو 2018
+ الخط -
مجزرة أخرى ترتكبها إسرائيل المجرمة في غزة. وكأن هذا القاتل الإسرائيلي المتوحش لم يرتوِ من دم الغزيين طوال 70 عاماً، أو كأن دم الغزّيين مثل ماء بحرهم لا يروي ظمأ القاتل. مجزرة أخرى يوغل فيها القاتل الإسرائيلي في دم الفلسطيني، بمباركة الولايات المتحدة الأميركية، سيدة العالم "الحر". قتل على الهواء مباشرة، تنقل فيه الكاميرات سقوط العُزّل أمام زخات رصاص الجنود المدججين بأعتى السلاح وأبشع النعوت.
ما الجديد في النكبة الأُخرى، لا القاتل تغيّر، ولا الضحية تكفّ عن الصراخ. ما الذي تغير منذ النكبة الأولى؟ لا القاتل تاب، ولا المقتول تراجع. ساحة قتل مفتوحة منذ مائة عام، يُمارس فيها القاتل جريمته بلا توقف، وتتوالد الضحايا مع إصرارٍ على العيش بكرامة، أو الموت من دون الكرامة. الجديد أن دائرة المشاركين في قتل الفلسطيني  اتسعت. نعم إسرائيل المحتل، إسرائيل القاتل، إسرائيل من يطلق النيران على صدور الأبرياء، لكن الشركاء في الجريمة كُثر، كل بطريقته وعلى طريقته.
رجال دين شركاء في القتل لأنهم صمتوا عن جريمةٍ ترتكب بحق أهل فلسطين، وخرسوا عن تهويد القدس وتدنيس المقدسات، وشاحوا بوجوههم عن دم الشهيد. رجال دين قتلة لأنهم أحلوا سفك الدم الفلسطيني لحماية عروش الظلم والفساد. فقهاء السلاطين والضلال والتضليل قتلة، لأنهم انشغلوا بفتوى صوم الحائض، وصمتوا عن حكم الصوم عن الجهاد ضد من اغتصبوا حياض الأمة.
الساسة الفلسطينيون شركاء في القتل منذ تركوا اللحم الفلسطيني في العراء، وراحوا يلهثون وراء سراب التسوية مع القاتل. شركاء في الجريمة منذ انصرفوا من خنادق القتال إلى فنادق الاقتتال، منهمكين في تقاسم غنائم الهزيمة، تاركين الشعب وحيداً يصارع أقداره. قتلة لأنهم ما كلّوا عن بيع الوهم للشعب، وشراء المناصب والألقاب. كل القيادات الفلسطينية شركاء في الجريمة، لا فرق هنا بين يسار باهت ويمين عفن. كل من يتمسّك بـ"أوسلو" ومقترفاتها شريك في الجريمة بالتواطؤ.
أنظمة عربية شريكة في القتل أيضاً، وهي تزحف على بطونها للتطبيع  مع إسرائيل. شريكٌ في الجريمة من يحاصر غزة، وشريكٌ في الجريمة من يجوّع غزة، وشريكٌ في الجريمة من يحتفل بـ"استقلال" إسرائيل وضياع فلسطين. هذه الأنظمة شريك أصيل في الجريمة، وهي تفتح عواصمها للسفارات الإسرائيلية، وتوصد أبوابها أمام الفلسطيني. هذه الأنظمة شريكة في الجريمة وهي تمنع رفع الأعلام الفلسطينية في مظاهرة، بينما ترفع أعلام القاتل في السماوات العربية.
وهذا الإعلام العربي شريكٌ في الجريمة، وهو يُنكر على الشهداء شرف الشهادة، ويفتح الهواء للناطقين باسم جيش الحرب الإسرائيلي، ويدخلهم بيوتنا العربية، ليحتلوا ما تبقى فينا من عقل أو ضمير. هذا الإعلام المُضلل شريكٌ في الجريمة، وهو يستعرض قوة القاتل، ويخجل من عرض جثة الشهيد "حرصاً" على مشاعر المشاهدين.
هذا المجتمع الدولي "الحر" شريك في الجريمة، وهو يغض البصر والبصيرة عن احتلال غاشم يسفك الدم الفلسطيني منذ 70 عاماً. هذا المجتمع الدولي شريكٌ في الجريمة بنفاقه الفاجر، وقلقه الكاذب. هذا المجتمع الدولي قاتلٌ بصمته عن قتل الفلسطيني، وفزعه على أمن إسرائيل. هذا المجتمع الدولي شريكٌ في الجريمة، وهو يدافع عن حق القاتل في القتل، ويُنكر على الضحية حق الحياة.
الجيوش الإلكترونية الجرارة شريكة في الجريمة، وهي تتجند لانتخاب "نجم العرب"، وتتخاذل عن "مشاركة" صور شهداء العرب.
ما جرى ويجري على أرض فلسطين، جريمة مكتملة الأركان، يرقص القاتل على جثة المقتول، وتُقتل الضحية على الهواء مباشرة، وفي خلفية الصورة طابورٌ من شركاء القاتل بالتواطؤ والتآمر والصمت والتخاذل. وفي أسفل الصورة طابورٌ آخر من شهود الزور ينكسّون الأعلام، لا حزناً، بل عجزاً عن رفع هاماتهم.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.