سيرجيو بوسكيتس.. المدرب الذي افتقده برشلونة داخل الملعب

سيرجيو بوسكيتس.. المدرب الذي افتقده برشلونة داخل الملعب

12 ابريل 2017
برشلونة فشل في مجاراة يوفنتوس بدوري الأبطال (Getty)
+ الخط -

كيف ستنجح في التغلب على الضغط وفرض شخصيتك في المباريات الكبيرة، وأنت تملك وسطاً يبدأ بماسكيرانو ويمر عبر غوميز وينتهي براكيتيتش؟ كل هؤلاء اللاعبين يفكرون لمدة 5-6 ثوان قبل النظر إلى الأمام، وأخذ المبادرة الهجومية من الوسط إلى بقية الخطوط، هذا يعتبر هراء وشيئا أقرب إلى المسخ، خصوصا عندما تقارنهم جميعا بسيرجيو بوسكيتس، اللاعب الذي يفكر ويتمركز ويتحرك ويمرر في جزء من الثانية، فارق كبير بين الجانبين على مستوى اللعب والنتيجة.

هكذا جاء أفضل تعليق ممكن على مباراة يوفنتوس وبرشلونة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر. لقد كشف بوسكيتس كل السيئات بغيابه عن قمة تورينو، ووضع لويس إنريكي في خانة اليك قبل وأثناء وبعد المباراة، لأن تعامل برشلونة مع المعطيات بأكملها كان سيئا لأقصى درجة، ويعود جزء رئيسي من الخلل إلى عدم وجود لاعب ارتكاز حقيقي يربط الخطوط أثناء الاستحواذ ومن دون الكرة، إنها معادلة سهلة الفهم والاستنتاج، لا بوسكيتس يعني لا بارسا.

هنا تورينو
انتهت المباراة بفوز يوفنتوس بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل لا شيء. صحيح أن اليوفي كان أفضل دفاعا وهجوما، لكن النتيجة النهائية لا تعبر أبدا عن أحداث القمة بكامل تفاصيلها، فالبارسا كان يمكنه بسهولة تسجيل هدف على الأقل قياسا بالفرص التي أتيحت للاعبيه، كذلك سجل أصحاب الأرض أكبر قدر ممكن من الأهداف وفقا للكرات التي وصلوا بها، لذلك يختلف هذا اللقاء كليا عن مباراة باريس سان جيرمان في حديقة الأمراء، لأن النادي الفرنسي وقتها استحق تسجيل ستة أهداف على الأقل، بينما حصل اليوفي على النهاية المثالية لأنه عرف كيف يستغل كل لعبة بالطريقة السليمة.

حصل عملاق إيطاليا على الأفضلية بالأطراف، وصنع لاعبوه موقف 2 ضد 1 أسفل الأظهرة، عن طريق تحرك ديبالا يمينا ويسارا بالتعاون مع كوادرادو وماندزوكيتش، كذلك عودة الجناحين إلى منتصف ملعبهما في حالة فقدان الكرة، لتطبيق رقابة ثنائي الدفاع على نيمار وميسي كلما استلما الكرة، ما جعل اليوفي أكثر تأثيرا أثناء التحولات، بسبب الزيادة العددية في المناطق الخطيرة بالقرب من المرمى.

يتحرك لاعبو الوسط بحرية بين الخطوط، ينطلق خضيرة باتجاه الطرف بالقرب من أحد الأجنحة، ليتم قلب اللعب سريعا إلى الجهة الأخرى باتجاه كوادرادو وألفيش، مع بطء ارتداد واضح من جانب إنيستا وراكيتيتش. كل هذه الأمور أعطت الفائز انطلاقة قوية، لكن أهداف المباراة جاءت من مناطق العمق، عندما وجد ديبالا نفسه طليقا بالقرب من تير شتيغن، وكأن حافة منطقة الجزاء أصبحت منطقة حرة أمام كل لاعبي يوفنتوس. هنا فقط عرف الجميع قيمة بوسكيتس بالنسبة لبرشلونة.

العرضيات العكسية
لك أن تتخيل عندما تقود سيارتك بسرعة "مدوية"، وفجأة بدون مقدمات يظهر أمامك شيء ما، والمسافة بينكما قريبة للغاية، وقتها إما أن تدهس من وضعه القدر أمامك، أو تحاول قلب عجلة القيادة بأقصى وضعية ممكنة، والأقرب أن تنقلب السيارة إذا اخترت هذا الجواب. هذا هو حال المدافع الذي يتمركز داخل منطقة الجزاء ويبحث عن المهاجم الذي يراقبه، لكنه لا يجده بسبب عدم لعب العرضية مباشرة نحو عمق منطقة الجزاء كما جرت العادة، بل تحويل التمريرة من أقصى خط المرمى إلى خارج منطقة الجزاء، بعكس اتجاه حركة الفريق الذي يدافع.

وخلال مباراة يوفنتوس وبرشلونة، لعب فريق اليوفي بهذه الطريقة خلال معظم هجماته، يصعد كوادرادو بالكرة مع ألفيش، يدخل إيغوايين إلى داخل منطقة الجزاء، لكي يراقب دفاع برشلونة، لكن التمريرة العرضية تأتي للخارج، تجاه حافة منطقة الجزاء تقريبا، لكي يستقبلها باولو ديبالا بعيدا عن الأنظار. تدرب اليوفي جيدا على هذه اللعبة، ليسجل الأرجنتيني الهدف الثاني بالطريقة نفسها تقريبا، لأنه قادم من بعيد دون أي رقابة.

يعود هذا الخلل التكتيكي إلى حركة مدافعي برشلونة كحل أول، بسبب خطأ تمركزهم أثناء العرضيات، لكن السبب الثاني الأقرب إلى الصواب هو غياب لاعب الارتكاز الذكي أمام الخط الأخير، فماسكيرانو ينظر فقط إلى مرمى فريقه، غير مهتم بتحرك المنافس وطريقة لعب الكرة، لذلك يقف دائما بشكل خاطئ ويتسبب في مواقف محرجة لبقية زملائه. وهذا العيب موجود في أكثر من لاعب ارتكاز. إنها العادة الطبيعية، لكن مع بوسكيتس تقل هذه الآفة، لأنه على علم كامل بأبجديات مكانه، ويجيد بشدة تغطية الفراغات دون حتى أن يلمس الكرة أو يشترك في الهجمة.

الحاضر الغائب
من دون بوسكيتس، صعب جدا أن تلعب بطريقة 4-3-3، لأن برشلونة سيكون ضعيفا في الخروج بالكرة من الخلف، وسيدفع الثمن غاليا أمام أي ضغط من لاعبي يوفنتوس، نتيجة ضعف كل لاعبي الوسط في استلام الكرات بالقرب من مرماهم، مع صعوبة التصرف بالظهر دون النظر إلى الأمام. ومع غياب القائد الثالث عن المباراة، لم يجد لويس إنريكي أي خيار سوى اللعب بـ3-4-3 حتى يضمن وجود خماسي صريح عند حصول تير شتيغن على الكرة. وعلى الرغم من تفوق يوفنتوس، إلا أنه لم يسجل أي هدف ولم يصنع أي فرص خطيرة نتيجة الضغط المرتد.

بعد التحول إلى 3-4-3، كان أمام المدرب خياران، أن يضع ماسكيرانو مكانه في الارتكاز ويلعب بمدافع ثالث صريح، وهذا ما فعله الطاقم التقني، لكنه دفع الثمن غاليا بسبب ضعف تمركز الأرجنتيني عند لعب العرضيات العكسية، وفشله في الربط مع المدافع الحر أثناء المرتدات، ما جعل ديبالا يستلم أكثر من كرة في ظل تباعد غريب بين بيكيه وماسكيرانو داخل وخارج منطقة الجزاء.

بينما الخيار الثاني للمدرب كان في إشراك غوميز مكان بوسكيتس ووضع ماسكي كمدافع، إنها خطة البارسا في الشوط الثاني، ليظهر الفريق بشكل أفضل نوعا ما مع تقليل عدد هجمات الخصم، لكن هنا حدث الخلل بالكرة، لأن غوميز مثله مثل راكيتيتش والبقية، يعانون من بطء واضح في التفكير عند الاستحواذ، ويقللون زوايا التمرير بالنسبة لزملائهم، وبالتالي عاد ميسي كثيرا إلى مناطقه من أجل استلام الكرة بالتبادل مع إنيستا، ليفقد عمق الهجوم جزءا كبيرا من بريقه وقوته في الثلث الأخير من الملعب.

حلول بديلة
تعاقد برشلونة مع أردا توران وأندريا غوميز ودينيس سواريز في منطقة الوسط، لكن كل هؤلاء لم يملكوا قدرة تشافي هيرنانديز على التحكم في نسق المباريات، ولم يتمتعوا بعبقرية بوسكيتس في تغطية المساحات دون أن يلمس الكرة، ما أفقد الفريق شخصيته المتوارثة منذ سنوات. فالبارسا معروف تاريخيا بقوة وسطه وبراعته في السيطرة على أي قمة، ومع ضياع هذه الميزة الخيالية، تساوى الفريق مع منافسيه في هذا الشق، ليخسر عدة جولات بسبب ضعف دفاعه مقارنة بالبقية، إنها النهاية الطبيعية لفشل المشروع الرياضي في إيجاد حلول حاسمة لنقاط الضعف.

يحتاج الكتلان إلى لاعب وسط يجيد اللعب كارتكاز صريح ومساند في الوقت نفسه، اسم يمكنه شغل المركز 6 بالملعب بين الدفاع والهجوم، ويكون بديلا لبوسكيتس في حالة غيابه عن مثل هذه المباريات. هناك أسماء كجوليان فيغيل، لاعب دورتموند، وماركو فيراتي، نجم سان جيرمان، لكن الكفة تميل للإيطالي، لأنه يمكنه اللعب بجوار بوسكيتس وليس مكانه فقط، وبالتالي البارسا سيفوز بثنائي في مكان واحد خلال معظم المباريات.

من الصعب أن يعود فريق إنريكي كما حدث أمام باريس، لكن هذه الهزيمة أثبتت من جديد أهمية عودة هذا النادي إلى قواعده الأصلية، بالاهتمام بالوسط وجلب نجوم تناسب طريقة لعبه، مع التأكيد على حقيقة واحدة غير قابلة للشك، تنص على أهمية بوسكيتس وثقل مركزه وتفرده كواحد من اللاعبين القلائل الذين غيروا شكل اللعبة في السنوات الماضية منذ 2008 وحتى اليوم.

المساهمون