سوق العمل يسرق أحلام أطفال فلسطين

سوق العمل يسرق أحلام أطفال فلسطين

05 ابريل 2014
102 ألف طفل موجون في سوق العمل (العربي الجديد)
+ الخط -

جُلهم لا وقت لديهم لأحلام الطفولة، تسرقهم مشاغل الحياة عن ممارسة حقهم الطبيعي فيها، فتجدهم منتشرين في الأسواق والطرقات، بحثاً عن زبونٍ هنا وهناك، لكسب قليل من المال، بدلاً من أن يكونوا على مقاعد الدراسة لكسب مستقبلهم.

"الفقر" وضيق الأحوال المعيشية قد يكونان سبباً أساسياً في دفع الأطفال الى سوق العمل، وممارسة جهدٍ كبير لا تحتمله نعومة أظافرهم ولا أجسادهم، بالإضافة إلى الاهمال الأسري الكبير ودفع بعض العائلات أطفالها إلى سوق العمل طمعاً في المزيد من المال، أو عدم نيتها توفير المصروف اليومي لهم.

صقر (15 عاماً) من بلدة كوبر، قضاء مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ترك المدرسة على الرغم من أن وضع عائلته الاقتصادي لا بأس به، يقول لـ"العربي الجديد": إنه ترك التعليم لعدم حبه له، وتعمده اختلاق مشاكل مع المعلمين من أجل ترك المدرسة.

يقول صقر: تركت المدرسة منذ عام، والدي حاول إجباري على العودة إليها، لكني كنت كثير المشاكل، في النهاية توقف عن الضغط علي، وأصبحت هنا في السوق، أجني ما بين خمسين إلى ستين شيكلاً يوميا.

وعن أحلامه وطموحه في الحياة، يجهل صقر، ما إذا كان يريد أي شيء، كل اهتماماته تنصب عن كيفية العمل، اليوم وغداً، وجني ذلك المبلغ القليل من المال، فقط لأنه لا يريد العودة إلى المدرسة.

تنتشر عمالة الأطفال في فلسطين المحتلة بشكل كبير جداً، فحسب آخر تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2013، أن نسبة الأطفال الذين التحقوا بسوق العمل من دون 17 عاماً تجاوزت 4 في المئة، وأشار آخر تقرير لوزارة العمل الفلسطيني عام 2014 إلى وجود 102 ألف طفل يعملون من دون سن 18 عاماً.

وتتركز عمالة الأطفال في الضفة الغربية في أسواق الخضر وعلى إشارات المرور والطرقات، إلى جانب عمل عدد منهم في ورش البناء والمصانع وأعمال أخرى تندرج تحت اسم الأعمال الشاقة، التي لا تناسب بنيتهم الجسدية تحت ظروف صعبة.

خالد (14 عاما) من مدينة رام الله، يبيع ورق المناديل على أحد الاشارات المرورية في المدينة، يقول لـ"العربي الجديد" "تركت المدرسة من أجل مساعدة والدي الذي يعمل في البناء، أستطيع أن أوفر، ولو القليل من مصروف بقية إخوتي على مقاعد الدراسة، لا أعمل ساعات كثيرة، وحسب الاحوال الجوية".

كان خالد، يحلم بأن يصبح مدرساً، لكن الفقر حال دون ذلك، حيث تطايرت أحلامه الصغيرة بعيداً، بين الحاجة وضيق الأحوال المعيشية التي تعيشها معظم الأسر الفلسطينية. "في البداية رفض والدي أن أترك المدرسة، لكن لم نستطع توفير كل احتياجاتنا في المنزل، نزلت إلى الشارع في البداية بعد الدوام، لكن لم أستطع التوفيق بين التعلم والعمل، وبسبب الحاجة اضطررت إلى ترك التعلم، على الرغم من عدم موافقة والدي".

"العربي الجديد" تابعت جولتها في أسواق وشوارع مدينة رام الله، بحثاً عن أطفال يجرون العربات، ويصدحون بأصواتهم لجلب الزبائن نحو بضاعتهم، وجدنا كثيراً منهم، غالبيتهم رفضوا الحديث، خوفاً من أي ملاحقة أو عقاب الأهالي خصوصاً إذا ما كان الاهمال الأسري وراء وجودهم في السوق.

استطعنا الحديث إلى الطفل محمد، 10 سنوات من مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، والذي يجر عربة توصيل بضاعة الزبائن نحو وجهتهم في رام الله، بعد أن أقنعناه بأننا لن نصورك، وأننا نُعد تقريراً يتحدث عن الأطفال الفلسطينيين في يوم الطفل، قال، إنه يعمل وشقيقه بالإضافة إلى والده في السوق، يعيلون سبعة أفراد في عائلتهم، ووضعهم الاقتصادي صعب، وأنه يعمل فقط لتحقيق أحلامه، كون والده لا يستطيع أن يؤمن له أكثر من احتياجاته الأساسية.

ويقول محمد: أنا أحب تربية الأرانب، والحيوانات، والدي يرفض عادة أن يشتري لي ما أريد، ودائما يقول لي، اذهب إلى السوق، لذا أنا هنا أعمل يومي، الجمعة والسبت، وهي عطلة دراسية، أحصل على 50 شيكلاً مصروفي، وسأوفر لشراء الأرانب، فأنا أحبها كثيراً، ولا أفكر بترك الدراسة، أريد أن أكمل تعليمي إلى النهاية.

حال رامي (12 عاما)، من بلدة الرام شمالي القدس المحتلة، لم يختلف كثيراً عن محمد، دفعه والده الى العمل على بسطة خضر في السوق لمساعدته في إعالة الأسرة، أحمد، يكافح بعد الدراسة في السوق، ويعمل يومي، الجمعة والسبت، من الصباح.

يوفق رامي، بين دراسته والعمل، يُنهي واجباته الدراسية، ثم يلتحق بـ"البسطة" حتى ساعات المساء، يقول: أشعر كثيراً بالتعب أثناء العمل، لكني أعمل لأجلي ولأجل إخوتي وعائلتي، المهم أننا نستطيع العيش، الحياة بحاجة إلى أن تحب.

غالبية الذين رفضوا الحديث الى"العربي الجديد" دفعتهم عائلاتهم الى العمل في السوق، بحجة عدم تفوقهم الدراسي، أو أن الوالد بحاجة إليه ليساعده في العمل، وأن مجملهم ممن تتراوح أعمارهم مابين سن 14-16 عاماً، في بنية جسدية ضعيفة، يجرون العربات المحملة بمختلف البضائع، ويجلسون على بسطات الخضر والملابس، أو يبيعون العلكة والسلع المنزلية على الطرقات.

تشكل نسبة الأطفال في فلسطين المحتلة نصف المجتمع، إذ يبلغ عددهم حوالي مليوني طفل، ينخرط أكثر من 100 ألف منهم في أسواق العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدد منهم يعمل في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية بأجر بسيط وقليل يتراوح بين 60-70 شيكلاً.

تعتبر عمالة الأطفال ظاهرة خطيرة في المجتمع الفلسطيني، والتي ستزيد من حدة الجهل في الجيل الشاب لما يسببه العمل من انتشار في التسيب من المدارس وترك التعليم، إلى جانب ما تشكله بعض الأعمال من خطورة على حياة الاطفال وأجسادهم.

وانطلقت مع ساعات الصباح الأولى اليوم، في المسجد الأقصى فعاليات "مهرجان طفل الأقصى الثاني عشر" الذي تنظمه الحركة الاسلامية في فلسطين المحتلة عام 48 برئاسة الشيخ رائد صلاح.

وتوافد إلى ساحات الأقصى منذ انطلاق الفعاليات آلاف الأطفال وذووهم من القدس وضواحيها، ومن مختلف المدن والقرى والبلدات الفلسطينية داخل 48، ويتوقع أن يبلغ ذروته بعد ساعات الظهر بمشاركة عشرات الآلاف من المواطنين، وقيادات الحركة الاسلامية، وعلى رأسهم نائب رئيس الحركة، كمال الخطيب، كما ما جرت عليه العادة في كل عام.

ويحمل مهرجان هذا العام شعار "الأقصى.. كل الأقصى لنا"، ويتخلله كلمات خطابية وفقرات فنية للأطفال، أبرزها فعالية الرسم التي يرسم بموجبها الأطفال المشاركون لوحات فنية تعكس حال المسجد الاقصى حاضراً ومستقبلاً من منظار طفولي، وقد بدأ الآلاف من هؤلاء الأطفال رسوماتهم، وقد غصت بهم ساحات الأقصى، وسط ما بدا أنه تظاهرة فلسطينية كبرى تتزامن مع تصاعد الأخطار التي تهدد المسجد من غلاة المتطرفين اليهود، الذين يسعون الى بناء ما يسمونه "هيكلهم" المزعوم على أنقاض المسجد.

دلالات