سهر على راحة الناس في العراق

سهر على راحة الناس في العراق

31 ديسمبر 2017
تأهّب دائم (علي مكرم غريب/ الأناضول)
+ الخط -

قبل سنوات، لم يكن الاحتفال بعيد رأس السنة شائعاً في العراق، لكنّ الحال تغيّر بالنسبة إلى عراقيين كثيرين. وراحت الاحتفالات تعمّ المدن المختلطة مثل بغداد والموصل وإربيل أو ذات الغالبية المسيحية من قبيل سهل نينوى وبرطلة وتل سقف وغيرها.

وتلك الاحتفالات تُحرَم منها شرائح عدّة في تلك المناطق، ويُستثنى عاملون في مجالات مختلفة من المشاركة في العيد، من أمثال الكوادر الطبية والشرطة والجيش وكلّ من يُجبَر على ملازمة عمله. من هؤلاء، الممرّضة أم نوران (47 عاماً) التي تخبر أنّه "مذ بدأت أعمل في مجال التمريض رحت أصل الليل بالنهار في أحد مستشفيات مدينة بعقوبة في محافظة ديالى. لا أتذكّر على أقلّ تقدير خلال السنوات الثلاث الماضية، أنّني احتفلت مع العائلة بعيد رأس السنة. في كلّ عام تصادف تلك الليلة وأنا أعمل، لذلك يقضي أولادي العيد كأيّ يوم عادي. فالأمور تبقى على حالها في المنزل". وتشير إلى أنّ "الانشغال مع المرضى الراقدين في المستشفيات ومتابعتهم أو الانتقال مع الفرق الطبية لمعالجة أيّ طارئ خارج المستشفى، أمور تجعلنا ننسى الاحتفال بليلة رأس السنة. لا فرق بين يوم أخير من العام ويوم جديد من آخر يليه".

من جهتهم، كثيرون هم عناصر الأجهزة الأمنية من جيش وشرطة الذين يقضون ليلة رأس السنة في مقرّات عملهم. ويقول الشرطي علي غيدان (27 عاماً) إنّ "كلّ ما نراه من مظاهر احتفال يكون أثناء مرورنا في الشوارع والطرقات أو من خلال شاشة التلفاز في مقرّ العمل. أمّا على الصعيد الشخصي، فنحن غير قادرين على الاحتفال مع عوائلنا أو أصدقائنا المقرّبين. وغالباً ما تمرّ تلك الليلة ونحن نؤدّي واجبنا، وفي صبيحة اليوم الأوّل من العام الجديد لا نجد ما يختلف عمّا سبقه، باستثناء أنّنا أصبحنا في عام جديد احتفل به الملايين من دون أن يشملنا". ويشير غيدان إلى أنّ "العاملين في الأجهزة الأمنية يواصلون عملهم لحماية المدنيين من المحتفلين في الحدائق والأسواق العامة. وفي هذا الوقت، يتوجّب علينا أن نكون متأهّبين حتى لا يقع أيّ حادث يعكّر أجواء الاحتفال. وهذه مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأجهزة الأمنية، خصوصاً أنّ الأمر يتعلّق بأرواح البشر صغاراً وكباراً".


إلى ذلك، تخبر أم ياسين (52 عاماً) أنّ "ابني الوحيد ياسين (32 عاماً) كان يحتفل في كل عام بليلة رأس السنة، لكنّه اعتقل منذ أكثر من أربعة أعوام، لذلك أشعل في هذه المناسبة الشموع مثلما كان يفعل مع أصدقائه. وأتمنّى أنّ يُفرَج عنه ليعود ويحتفل من جديد مع أصدقائه المقرّبين". تضيف: "كنت أعدّ أصنافاً كثيرة من الطعام في تلك الليلة، وتمتدّ مائدة العشاء حافلة بما لذّ وطاب، وكلّ ما كان يطلبه ابني وأصدقاؤه كانوا يجدونه على المائدة". وتشير إلى أنّهم "كانوا يحتفلون بالتغيير الحاصل بين عام مضى وعام جديد، ويلتقط ياسين الصور ويكتب مذكّراتهم، ويضحكون ويمرحون كثيراً. لكنّ كلّ شيء تلاشى مذ اعتقل ولدي بتهمة كيدية من دون أن يقدّم للمحاكمة".

في السياق، تقول الباحثة الاجتماعية رؤى الجبوري لـ" العربي الجديد"، إنّ "الاحتفاء برأس السنة يمثّل فارقاً. فكثيرون هم الناس الذين يدوّنون أحداث عام مضى عليهم بكلّ ما يحمل من آلام وفرح وحزن وسعادة، ويتمنّون الأفضل بحلول العام الجديد". تضيف: "وبما أنّ التقويم الميلادي هو التقويم المعتمد عالمياً، فإنّ ذلك يجعل العيد أكثر أهمية بين مختلف فئات المجتمع. واليوم، نجد الأسواق العراقية في مختلف المحافظات وقد امتلأت بالأشجار والزينة وكل ما يتعلق بأعياد الميلاد ورأس السنة. كذلك صار كثيرون ينتظرون الاحتفالات، لا سيّما أنّهم عانوا من وطأة الحروب والنزوح والألم. بالنسبة إليهم فإنّ قضاء بعض الأوقات السعيدة ينسيهم بعضاً من أحزانهم وآلامهم وإن كان ذلك لليلة واحدة أو يوم واحد. إلى ذلك، فإنّ آخرين يرون في الاحتفال أمراً لا يتناسب مع وضع البلاد غير المستقر".

وتشير الجبوري إلى أنّ "هذه الاحتفالات تأتي لتوحّد العراقيين بمختلف شرائحهم، إنّما يُحرم منها أشخاص لا تسنح لهم الفرصة بالاحتفال بسبب ظروف عملهم". وتقول إنّ "العراقيين صاروا ينتظرون فرصة الاحتفال بأيّ مناسبة وإن كانت لا تعنيهم بصورة مباشرة"، لافتة إلى أنّ "ثمّة من يرى في رأس السنة الميلادية مناسبة خاصة بالمسيحيين الذين تقلّص عددهم في العراق". لكنّ الإشارة تجدر إلى أنّ كثيرين من العراقيين يستعدّون للاحتفاء بليلة رأس السنة من خلال شراء الألعاب النارية.