سناء موسى: توظيفي للآلات الموسيقية الغربية كان مدروساً

سناء موسى: توظيفي للآلات الموسيقية الغربية كان مدروساً

21 يونيو 2020
وظفنا عناصر جمالية لجعل الأغنية التراثيَّة أكثر تعبيراً(العربي الجديد)
+ الخط -
تنتمي المُغنية الفلسطينية سناء موسى (1979)، إلى الأسماء القليلة داخل الجيل الجديد ممن تبنوا الأغنية التراثية وراهنوا على دلالاتها الجمالية والرمزية. تعتمد موسى على الغناء المنفرد، وترافقها دوماً مجموعة من العازفين على آلات قديمة وحديثة، الأمر الذي يجعل الأغنية التراثية تتسم بالتجديد وتمنحها أفقاً جمالياً، تتبدى ملامحه الفنية في أكثر من ألبوم غنائيّ لها. عن حياتها ومشوارها الفني وموقع الأغنية التراثية الفلسطينية داخل الغناء العربي اليوم، التقتها "العربي الجديد" في الحوار التالي. 

متى وكيف بدأ اهتمامك وشغفك بالغناء؟
لفتني التراث بتنوّعه وألوانه العديدة. منذ الطفولة، كنت أسمع بشغفٍ التراث الفلسطيني، فكانت تجذبني دومًا جملة لحنيّة بسيطة للغاية، لأنها تتفوّق بسحرها على أي قالب غنائي مركب يُشاد ببنيانه وتعقيد وزنه أو لحنه. اللحن التراثي ليس متكلفّا، ولا يهتم بالمؤثّرات الصوتية، بل هو لحن صادق وبسيط وذكي ومؤثّر. هذه "التركيبة الجينية" للموسيقى التراثيَّة، يتمّ نقلها من جيل إلى جيل عبر مئات السنين، إنه فعلاً السهل الممتنع. للأسف، ولأسباب موضوعية وسياقية وسياسية وما بعد كولونيالية، هناك حالة تشظ للموروث الفلسطيني. لم تصلنا من التراث لفلسطيني إلا شذرات بسيطة وصغيرة. أكثر المحاور التي تم الاهتمام بها وإبرازها في التراث الفلسطيني هي أغاني الأعراس، وهذه طقوس جماعية وعلنية، تحتم إلى حد ما الالتزام بمعايير محددة، وظيفتها التعبير عن الفرح أو الحزن، وذلك شرط الحفاظ على صورة العريس والعروس وعائلتيهما. من جهتي بحثت عن الأغاني التي تغنيها النساء بدون قيد الجماعة، فانصبَّ اهتمامي مثلاً على الأغاني المُتعلّقة بفترة سفربرلك، أي فترة التجنيد الإجباري العثماني في فلسطين وبلاد الشام، والتي خطفت حياة الكثير من الشباب، وأدخلت الحزن للكثير من البيوت.

ما هي التحديات التي اعترضت طريقك؟
هنالك الكثير من التحديات التي تواجهنا، حين نقرر تقديم التراث في وقتنا الحالي للأجيال اليافعة، إذ علينا الحفاظ على هوية وأصالة اللحن، ولكن مع توظيف الموسيقى لخدمة الأغنية وإعادة قولبة اللحن، لنقدمه بطريقة جديدة وملفتة، حتى يستمر بالحضور والانتقال مع الأجيال، وهذه معادلة صعبة قد لا تنجح دومًا. التحدي الأكبر بالنسبة لي كان جمع أكبر عدد من الأغاني والقصص في المحاور التراثية المختلفة من جيل النكبة الأول. أنا سعيدةٌ لأنَّ الأغاني التي قمت بتقديمها في عام 2010 بأسطوانة "إشراق" لاقت انتشاراً ورواجاً واسعاً، وقام بغنائها الكثير من الشباب والكبار في عدة أماكن في العالم العربي والشتات، كأغاني "طلت البارودة" و"نجمة الصبح". أعتقد أنَّ هذا النجاح شجع الكثيرين على تناول التراث وتقديمه. أرى أعدادًا أكبر من الفنانين الذين يقدمون التراث اليوم مقارنة بسنوات 2000 على رغم انفجار الثورة الرقميَّة والحداثة، وهذا يسعدني ويجعلني أقل خوفاً من فقدان شعبي لهذا الكنز. قبل إصدار أسطوانتي "إشراق"، خصَّصنا مع الموسيقار بشارة الخل والفنان والملحن محمد موسى جزءاً كبيراً من الجهد والوقت لإعادة قولبة الأغاني وتوزيعها الموسيقي، وكتابة مقدمات لحنية للأغاني، والتي لم يكن لها بالضرورة مقدمة موسيقية. وكذلك قمنا بتوظيف عناصر جمالية صوتية لجعل الأغنية أكثر تعبيراً.

تقوم تجربتك الغنائية على تقديم أغان كلاسيكية من الفولكلور الفلسطيني، وإعادة توليفها بطرق أكثر معاصرة من خلال الصوت والإيقاع. لماذا هذا الحفر في التراث الغنائي الفلسطيني؟
لقد شاركت، برفقة شركائي، في مئات المهرجانات في مختلف دول العالم، حيث لقينا اهتماماً لافتاً بما نقدمه. قدمنا العروض ممثلين للتراث الفلسطيني في العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، وفي أوروبا وأميركا الجنوبية وكندا والهند. اعتمدنا في عملنا المحافظة على الأصلانية الهوياتية للحن، بالإضافة لتوظيف الآلات الموسيقية التي من شأنها أن تساعد اللحن وتدعمه، وذلك لإعادة التشكيل والتوزيع بروح عصرية تشبهنا نحن جيل الشباب. توظيفنا للآلات الموسيقية الغربية كان مدروساً. لم نسطح مقاماتنا الموسيقية أو نبسطها كي تناسب أذن المستمع الغربي، أو حتى كي تتمكن الآلة الغربية من المشاركة بالعزف فيها. على العكس، هنا طُوِّعَت الآلة في خدمة اللحن والأغنية وليس العكس.

هنالك أمثلة واضحة لتوظيف الآلات الغربية كالكمان والكونتراباص وغيرها من الآلات لمرافقة، والتي أغنت الألحان الشرقية، كما في حال الموسيقى التي قدَّمتها السيدة أم كلثوم وأسمهان وغيرها. الملفت للنظر أنَّنا تلقينا الكثير من الاهتمام والدعم من الجمهور الغربي أيضاً على رغم اختلاف ما نقدمه. وصلتنا الكثير من الرسائل والملاحظات تؤكد استمتاع الجمهور الغربي بالموسيقى التي نقدمها، رغم اغترابه عن مقاماتها وعدم فهمه لمحتوى الكلمات. ولاحظت أيضًا اهتمام المتلقي الغربي كما العربي بالتراكم وبالبناء للأغنية، وهذا مدهش. لأن الموسيقى لغة عالمية وقيمة إنسانية وحضارية قادرة على الاختراق، ولا تحتاج إلى شرح، فإمَّا أن تجتاحنا تلك الموسيقى وتؤثر بنا، أو لا.

المساهمون