سميرة نحاس... غرس جذور العروبة في البرازيل

سميرة نحاس... غرس جذور العروبة في البرازيل

02 ابريل 2017
سميرة نحاس وهاجس حلم العودة (العربي الجديد)
+ الخط -

تقول سميرة ميس نحاس لـ"العربي الجديد" في ساو باولو: "عندما حضر جدي أيوب نحاس مهاجراً من سورية إلى البرازيل قبل عقود طويلة، كانت عائلته مكونة من شخصين، ولكن العائلة بدأت تكبر، فضمت إليها ثقافات متنوعة. أنا الآن لدي أبناء عمومة إيطاليون وبرتغاليون، تتسم العائلة بتنوع ثقافي، لكن يبقى الطابع العربي هو المهيمن، وذلك بفعل تلك الثقافة وحيويتها وقوتها".


حين تتحدث سميرة ميس عن العربية، ثقافة ولغة، فإنها تبدو كمن يعيش حالة انسجام وفرح مما نهلته من تنوع، وببقاء عربيتها هي الأساس. وعلى الرغم من أنها ابنة مجتمع لاتيني، لكن بسبب جذورها ورغبتها في معرفة التاريخ وما صنعه وجدت نفسها في الجامعة البرازيلية تدرس التاريخ. وسرعان ما تخرجت أيضاً في باريس من قسم الاتصالات.

أثبتت سميرة نفسها عقب التخرج فأمضت عقدين في التدريس الجامعي قبل أن تجد نفسها في معترك الأعمال في عالم الشركات والمؤسسات. لم تثنها خسارتها لأعمالها جرّاء الأزمة مع الاقتصادية، والتي ضربت البرازيل في السنوات الأخيرة، عن متابعة حياتها واستقلالها كسيدة عربية.

تعمل هذه السيدة العربية البرازيلية اليوم متطوعة في "مركز بحوث أميركا الجنوبية والبلاد العربية" (بيبلياسبا). فقد شهدت البرازيل في السنوات الأخيرة قدوماً كبيراً للاجئين من المناطق العربية وأفريقيا، فكانت الحاجة لدورات تعليم اللغة البرازيلية والثقافة والدمج لتسهيل حياة هؤلاء القادمين الجدد على التكيف مع واقعهم الجديد وفي مجتمع غريب عنهم.


تدرجت في عملها في مركز البحوث حتى أصبحت منسقة مشاريعه ومسؤولة عن الشؤون الإعلامية فيه. يعرفها محيطها بولعها بلغتها وثقافتها العربيتين، وبذات الوقت معرفة ثقافتها اللاتينية، ما سهل عليها تلبية احتياجات المئات ممن يأتون إلى هذا المركز لتلقي ما يخفف عنهم غربتهم وعوائق اللغة والثقافة.


هذا الولع بالثقافة العربية من خلال عملها في المركز جعلها منسقة أيضاً للمهرجان السنوي للثقافة العربية، والمستمر 15 يوماً كل عام، بالتجول على المدن البرازيلية للتعريف بتلك الثقافة، من المشرق العربي إلى شمال أفريقيا، ويلقى هذا المهرجان استحسان المجتمع البرازيلي الذي يظهر الكثير من الاهتمام والانفتاح على الثقافة العربية بمستوايتها المختلفة.

تحقيق حلم
تقول السيدة سميرة لـ"العربي الجديد": "أنا اليوم أعمل في المكان التي طالما حلمت به. وهو المكان الذي يسمح لي بالتواصل مع أبناء بلدي وأبناء لغتي العربية التي أريد أن أتقن كل جوانبها يوماً ما، إذ لا شيء متأخراً في هذه الحياة. وأنا هنا يوما بعد يوم أحاول التخفيف من وطأة الغربة على الأشخاص الذين اختاروا البرازيل للعيش فيها من العرب".


وعن طريقة تقديم المركز مساعدته لمن يحتاجها من القادمين الجدد إلى البرازيل تضيف: "فنحن نقيم برامج لتعليم اللغة البرتغالية، وشرح كيفية الدخول لسوق العمل، وبرامج دمج اجتماعية وثقافية.


من المعروف عن طبيعة البرازيل الخاصة في التنوع الكبير بالثقافات، لا سيما العربية والإيطالية والبرتغالية، والكثير من الثقافات الأوربية والآسيوية، فمن الصعب نوعا ما الحفاظ على هوية ثقافية واحدة. وهو أمر يثري الإنسان ويجعل آفاقه أكثر اتساعاً وشغفاً بما لدى الآخرين، وتسهل ذلك عملية التفاعل مع المحيط المتعدد الخلفيات".


وتتابع هذه العربية اللاتينية حديثها عن رحلتها في البحث عن المعرفة والجذور، تقول: "لقد عشت في قطر مدة سنتين، وأنا على تواصل واطلاع مع الثقافة العربية عن قرب، ولقد ذهبت إلى منطقة وادي النصارى (وسط سورية)، مسقط رأس جدي، لأعرف أكثر عن تاريخ المنطقة التي أتى منها جدي. كانت رحلتي في سيارة أجرة لمدة اثنتي عشرة ساعة بين حمص وطرابلس. فمن طرابلس بشمال لبنان أبحر إلى البرازيل. وعلى أثره أردت أن يكون طريقي للتعرف على جذوري... وفي هذه الرحلة شعرت بعبق التاريخ للمنطقة منذ الحقبة الفينيقية... وفي الساحل السوري تعرفت على تاريخ عائلتي، وهو ما فسر لي بعدها الكثير من العادات والتقاليد التي تربيت عليها في بيت العائلة".


تعتبر هذه السيدة العربية نفسها محظوظة "في مجتمع متعدد الثقافات، إذ إن المرأة تعيش حقوقها بالتساوي مع الرجل، مع الحفاظ على خصوصيتها الثقافية واللغوية. فكثيرات هن النساء اللاتي حضرن من المنطقة العربية ووجدن أنفسهن يعشن في ظل ظروف تسمح لهن بأن يحافظن على الثقافة الأصلية التي اكتسبنها، وبالتالي يورثنها للأجيال التالية... هذا يعني أن الانفتاح، على عكس مجتمعات أخرى في الغرب مثلا، يؤدي إلى كثير من الانسجام والاندماج دون تشنجات ومواقف مسبقة ونمطية عن العرب".
مركز الأبحاث العربي في ساو باولو-العربي الجديد 


ترى سميرة أن ثمة أعداداً كبيرة من عرب المهجر، سواء في الغرب أو في اللاتينية، يعيشون هاجس وحلم العودة إلى الأوطان الأصلية. وتجد أن "البرازيل تعتبر حالة مسهلة لعدم الشعور بالاغتراب، سواء من حيث التقاليد والعادات والتماسك الاجتماعي أو حتى الانفتاح على العرب الذين ينتشرون في البلاد ويحتلون مناصب كثيرة فيها، فهم مرئيون في محيطهم. وتعتبر مسألة الانفتاح مهمة جداً لقدرة العرب على دخول الحياة في البرازيل وفهم ارتباط العادات والتقاليد والثقافة عموماً بالمكان ومن يشغله. الأمر أيضا يمكن أن يسهل اكتساب الكثير من المهارات، مع تواصل الترابط بين البلد الأصلي وثقافته من خلال الخصال الحميدة التي تجمع الناس في غربتهم".

دلالات

المساهمون