سقوط رواية "عصابة" ريجيني: بأي ذنب تمت تصفية خمسة مصريين؟

07 ديسمبر 2018
خلال تظاهرة في القاهرة في فبراير 2016(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -


تعود قضية الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، مرة أخرى إلى الظهور، بل التصعيد، على مستويات قضائية وسياسية. وقبل خمسة أيام، ذكرت وكالة الأنباء الإيطالية "أنسا" أن السلطات الإيطالية بصدد ضم سبعة من منتسبي الأمن الوطني المصري، الأسبوع المقبل، إلى التحقيق بجريمة قتل ريجيني في القاهرة مطلع عام 2016. كما أعلن رئيس مجلس النواب الإيطالي، روبيرتو فيكو، أنه سيعلق العلاقات الدبلوماسية مع مجلس النواب المصري إلى حين إحراز تقدم في القضية.

بل إن إيطاليا استدعت السفير المصري لديها هشام بدر على خلفية تطورات القضية وتوجيه اتهامات لعناصر أمنية مصرية. وطالبت الخارجية الإيطالية، حسب ما ورد في البيان الذي نقلته وكالة "رويترز"، بمحاسبة المسؤولين عن مقتل ريجيني. وذكر البيان أن الخارجية الإيطالية عبّرت عن حاجة روما لأن ترى تطورات ملموسة في تحقيقات قضية ريجيني، مضيفاً أن هناك حالة من "عدم الارتياح الشديد في روما بخصوص تطور القضية"، وذلك بعد يومين من زيارة فريق التحقيقات الإيطالي للقاهرة، في إطار التعاون بين نيابتي البلدين في تحقيقات قضية ريجيني. وفي موازاة التحركات الإيطالية تكاد تتوارى جريمة لا تقل بشاعة عن تصفية ريجيني، ارتكبتها قوات الشرطة المصرية، التي حاولت التنصل من مسؤولية قتل الباحث الإيطالي، فأراقت دماء خمسة شبان مصريين، بزعم أنهم قتلوا ريجيني، قبل أن تدحض إيطاليا هذه الرواية. وكان ريجيني، قُتل عقب اختفائه قسرياً منذ 25 يناير/كانون الثاني 2016، وعلى جسده آثار تعذيب تشير إلى تورط أجهزة اﻷمن المصرية في اختطافه وتعذيبه وقتله. وشهدت واقعة مقتل ريجيني حالة من اللبس حول أسباب الوفاة، إلا أن المؤكد فيها هو آثار التعذيب على جسده، وهو ما دفع والدته إلى نعيه بعد معرفة تفاصيل تعذيب ابنها، ثم قتله على يد عناصر من الأمن المصري، حسب سلطات التحقيق في روما، قائلة "عذّبوه وقتلوه كما لو كان مصرياً".

وأكد التقرير الأوّلي، الذي أعدته السلطات الإيطالية عن ملابسات الجريمة، أن أسلوب التعذيب الذي تعرض له ريجيني لا تقوم به سوى أجهزة أمنية لانتزاع اعترافات من متهمين، نافية وقتها صحة ما أثارته وسائل إعلام مصرية، نقلاً عن وزارة الداخلية، أن استهداف ما يسمى بـ"تنظيم سرقة الأجانب في مصر بالإكراه" وراء القتل، ما يثير تساؤلاً حول ما إذا كان هناك من سيطالب بالتوصل لحقيقة تصفية خمسة أشخاص، أم أنه لا داعي للقلق، فهم مجرد "مصريين" على عكس ريجيني، الذي قال صحافيون إيطاليون إنه "ليس مواطناً سورياً أو مصرياً، إنه مواطن إيطالي"، في إشارة إلى أن المطالبة بكشف ملابسات مقتله ستستمر حتى التوصل إلى الحقيقة.

وبعد نحو شهرين من مقتل ريجيني، وتحديداً في مارس/آذار 2016، أعلنت سلطات الأمن المصرية تصفية خمسة أشخاص اتهمتهم باختطاف ريجيني وقتله. وادعت العثور على جواز سفره ووثائق تخصه في منزل أحدهم. والبيان الذي أصدرته وزارة الداخلية المصرية بشأن تصفية من وصفتهم بـ"قتلة ريجيني"، تضمن تفاصيل كثيرة وسيناريو كاملاً، أعدته الوزارة ليبدو أقرب للتصديق، ونص على أن "المتهمين عبارة عن تشكيل عصابي تخصص بانتحال صفة ضباط شرطة، واختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه، وتصفيتهم تمت عبر تبادل إطلاق نار مع القوات بمنطقة القاهرة الجديدة". وقال مسؤول المركز الإعلامي الأمني بوزارة الداخلية، حينها، إنه "في ضوء تمكن الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة من استهداف تشكيل عصابي بنطاق القاهرة الجديدة، تخصص في انتحال صفة ضباط شرطة واختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه، ومصرعهم جميعاً عقب تبادل إطلاق الأعيرة النارية مع قوات الشرطة، تبين من الفحص أنه إزاء تعدد بلاغات السرقة بالإكراه وانتحال الصفة في عدد من المناطق، تشكل فريق بحث على أعلى مستوى لكشف غموض تلك الحوادث، وقد أسفرت جهوده عن وجود تشكيل عصابي وراء ارتكاب تلك الجرائم، وعناصره هم: طارق سعد عبد الفتاح (52 عاماً - مسجل شقي خطر نصب)، ونجله سعد طارق سعد (26 عاماً)، ومصطفى بكر عوض (60 عاماً)، وصلاح علي سيد (40 سنة)".

وأضافت الداخلية المصرية، في سرد السيناريو الذي أعدته في هذه القضية، "عقب تقنين الإجراءات وإعداد الكمائن اللازمة لضبط المتهمين المذكورين، وحال سيرهم بالسيارة رقم ق ف 871 ميكروباص بدائرة قسم شرطة أول القاهرة الجديدة، ولدى مشاهدتهم القوات، أطلقوا الأعيرة النارية باتجاه قوات الشرطة فبادلتهم، ما أسفر عن مصرعهم وحدوث تلفيات بسيارات الشرطة من جراء إطلاق الأعيرة النارية. وتبين أن السيارة الميكروباص مزودة بستائر لحجب الرؤية، وعُثر داخلها على جثة بها طلق ناري لأحد الأشخاص، مجهول الهوية في العقد الثالث من العمر -جارٍ تحديد شخصيته- كما عثر على بندقية آلية وطبنجة (مسدس)، وبطاقتي تحقيق شخصية عسكرية مزورة منسوب صدورهما لوزارة الداخلية، وصاعق كهربائي، وأربعة هواتف محمولة خاصة بالمتهمين المتوفين". وأضاف البيان، الصادر في 24 مارس/آذار 2016، ونشر في غالبية الصحف والمواقع الإخبارية المصرية، "تتقدم وزارة الداخلية المصرية بكل الشكر والتقدير للفريق الأمني الإيطالي على تعاونه الوثيق ودوره الإيجابي وتواصله الدائم مع الفريق الأمني المصري خلال مراحل البحث والتحري وجمع المعلومات التي كان يقوم بها خلال الفترات الماضية، ما كان له بالغ الأثر في التوصل لهذه النتائج".