سعيد عقل.. رحيل الشاعر "الفينيقي"

سعيد عقل.. رحيل الشاعر "الفينيقي"

28 نوفمبر 2014
سعيد عقل شارحاً "أبجديته اللبنانية" بالحرف اللاتيني
+ الخط -

"بحبك يا لبنان"، "يا قدس يا مدينة الصلاة"، "شام يا ذا السيف"، "غنيت مكة"، "أردن أرض العزم". رحل، إذاً، اليوم، عن قرن وعامين، صاحب هذه القصائد/ الأغاني، الشاعر اللبناني سعيد عقل، بعد أسبوع قضاه في إحدى المشافي اللبنانية

نظم عقل (1912) مئات القصائد بالفصحى والعامية اللبنانية، وعرفه كثيرون في أغانٍ وقصائد لحّنها الرحابنة وغنّتها فيروز. وليس مبالغة القول إن قصائده العامية تعدّ من أكثر الغزليات تداولاً، وقد صدر معظمها في ديوان بعنوان "يارا" (1961).

لكن، قبل "يارا" وجدائلها، كان عقل ينظم الشعر والمسرحيات الغنائية منذ الثلاثينيات، وكانت "بنت يفتاح" أولى مسرحياته، التي أتبعها بـ"فخر الدين"، العمل التاريخي المغنّى الذي حقق شهرة آنذاك، تلتهما أعمال أخرى للمسرح الغنائي مثل "قدموس" المأخوذة عن أسطورة فينيقية معروفة.

رغم أنه بدأ شاعراً، إلا أن مسرحياته صدرت قبل دواوينه. أول أعماله الشعرية كان "المجدلية"(1937)، الذي أتبعه بـ"رِندلى"، و "أجراس الياسيمين"، و"دُلزى"، و"قصائد من دفترها".

درس عقل اللاهوت في جامعة "الروح القدس"، وألقى دروساً لاهوتية في "معهد مار أنطونيوس" في بيروت، وكتب الأشعار الدينية أيضاً. وكان في بداياته من دعاة "القومية السورية"، قبل أن ينتقل إلى التشبث بأفكار "القومية اللبنانية".

ومن بين الأمور الإشكالية التي أحاطت بمسيرته، دعوته إلى التخلي عن العربية كلغة للبنان واستبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني. ورغم أن هذه الفصحى أعطته مفاتيحها وأسرارها وحقق جزءاً كبيراً من شهرته ومجده الشعري من خلالها، إلا أنه تنكّر لاحقاً لها، وأعلن أنه لو كان يملك الوقت لنقل كل أعماله من الفصحى إلى العامية.

لكن العمر امتد بعقل الغاضب ولم ينفذ تهديده. لا بد أنه كان يدرك القيمة الأدبية لأعماله الشعرية المكتوبة بالفصحى وقدرته على الابتكار والتجديد في بنية الجملة والإتيان بكل تلك الصورة الفريدة التي جعتله شاعراً عربياً بامتياز رغم محاولاته تلبس الهوية الفنيقية أو اللجوء إلى الفرنسية التي كتب بها ديوان "الذهب قصائد". وحدها اللغة العربية من أكرمت عقل وجعلته واحداً من أبرز شعرائها.

لا شك أن هناك الكثير مما يُشكِل على محبة الشاعر وصورته، خصوصاً موقفه المتطرف تجاه الوجود الفلسطيني في لبنان، وذهابه بعيداً حد الترحيب بالقتل وبالجيش الإسرائيلي حين اجتاح بيروت سنة 1982. لكن عقل كان يفعل شيئاً مثل هذا، بينما قالت قصائده القديمة عن القدس وفلسطين شيئاً آخر: "يا صوتي ضلك طاير، زوبع بهالضماير، خبرهن علّي صاير، بلكي بيوعى الضمير". كأن الحرب الأهلية اللبنانية جرّت عقل إلى أماكن لم تكن في الحسبان، وكأن عقل الشاعر الذي احتفى بكل تلك الأوطان قد تلاشى وجعلت منه الحرب شخصاً آخر.

دلالات

المساهمون