سعيد بو عمامة.. عزّز الوعي السياسي في الأحياء الفرنسية

سعيد بو عمامة.. عزّز الوعي السياسي في الأحياء الفرنسية

12 ديسمبر 2015
(رسم أنس عوض)
+ الخط -

يشارك الباحث في علم الاجتماع الجزائري سعيد بو عمامة، المولود عام 1958، والمقيم في فرنسا، في النضالات الاجتماعية التي تخوضها الجالية العربية هناك من أجل المساواة والكرامة والمُواطَنة الحقيقية. يكتب ويتظاهر نصرةً لحقوق الأقليات المضطهدة، ونصرة للشعب الفلسطيني ومقاومته.
رفعت جمعيّة "الرابطة العامة ضدّ العنصرية ومن أجل احترام الهوية الفرنسية"، وهي مقرّبة من اليمين المتطرّف، دعوى ضده قائلة إنه "تهجّم على فرنسا وأهان الفرنسيين"، في مسرحيّته، كما ظهرت فيها "عنصريّة ضد البيض".

* بداية، ماذا يمكن أن تقول عن الاعتداءات الأخيرة التي ضربت باريس؟
لا يمكن تبرير هذا العنف، والإدانة يجب أن تكون مطلقة. كما أن المأساة التي نعيشها إما أن تؤدي إلى وعي جماعي بالمخاطر التي تهددنا، أو نتجه نحو مسار إعادة إنتاج المآسي. الانفعال شرعيّ وضروري، لكن لا يجب أن يكون جواباً وحيداً.

* كيف ترى واقع المسلمين في فرنسا بعد هذه الاعتداءات؟
الوضع غير مريح على الإطلاق. خلال ساعات، رأينا أساليب تعبير مختلفة في مواجهة المأساة. ومن المفيد التوقف عند بعضها. هناك ما أدان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وطالب بإلحاح المواطنين المسلمين بإظهار هذه الإدانة. لكن هذا حدث فعلاً، علماً أن المواطنين الفرنسيين أو الأجانب الذين يقيمون في فرنسا هم أكثر من يعاني من الاستغلال لغايات سياسية ورجعية. كان ردهم: "ما الذي قد نتعرّض له مجدداً؟". لا يتعلّق الأمر بجنون الارتياب، ولكن بالتجربة التي استخلصناها من الماضي، وخصوصاً بعد الاعتداء على مجلة "شارلي إيبدو".

* ماذا تقول عن الهجمة القضائيّة ضدّ مسرحيّتك؟ ولماذا لا تثير محاكمتك انتباهَ وسائل الإعلام الفرنسية؟
تتطرّق معظم أعمالي إلى العلاقة بين الدولة الفرنسية وسياساتها مع الفرنسيين المتحدرين من المستعمرات السابقة. في هذا الإطار، كنت مدفوعاً للإشارة إلى عقلية كولونيالية إزاء هؤلاء الفرنسيين أو المستعمرات السابقة والمستقلة. وعلى المستوى الوطني، أُدين التمييز والعنصرية. وقد تحوّلت الإسلاموفوبيا، وتحديداً منذ إصدار القانون المتعلّق بالحجاب عام 2004، عنصرية بنيوية. ولم تتوقف الدولة الفرنسية عن رعاية هذا المناخ المسبّب للغثيان.
من خلال إدانة هذه الممارسات وتفكيك الخطاب السائد، ساهمتُ في زيادة الوعي السياسي في الأحياء الشعبية. هذا العمل التوعوي الذي يلغي العلاقة القائمة على الهيمنة، لا يُحتمل بالنسبة لمن يريدون إعادة إنتاج هذا التفاوت عبر إبقاء المواطنين الفرنسيين المتحدرين من البلدان المستعْمَرَة في أسفل السُلَّم الاجتماعي. وفي ما يخص وسائل الإعلام، فهي ليست منفصلة عن المجتمع.

* لماذا في كل مرة تُحاكَم فيها أو تتعرّض فيها لانتقاد ما، يدرج حزب "أهالي الجمهورية" في قفص الاتهام؟
في الحقيقة، يثير الأمر الفضول. على الرغم من أنني لست عضواً في حزب "أهالي الجمهورية"، إلا أنه كثيراً ما يستحضر من أجل الردّ عليّ أو توجيه الاتهامات إليّ. ويرتبط الأمر في رأيي بالنظرة الشمولية نفسها إلى العنصرية. كلّ العرب يتشابهون بمجرّد أن ينتقدوا التفسيرات السائدة الدولية والوطنية. وقد سبق لهذه النظرة الشمولية أن رُصِدَت أثناء الحقبة الكولونيالية. وها هي تعيد اليوم إنتاج نفسها. تعرّض حزب "أهالي الجمهورية" لانتقادات كونه يدافع عن فكرة وجود أعراق مختلفة عن بعضها البعض، وكونه يكره البيض. لذلك، يأملُ خصومي، من خلال الخلط بيني وبين الحزب، بتحميلي هذه الوصمة.

اقرأ أيضاً: باريس تشهد مسيرة حاشدة للدفاع عن الكرامة والمساواة


* كشف إيريك فاسِين، أستاذ علم الاجتماع في جامعة "باريس 8"، في محاضرة ألقاها أثناء حفل "لومانيتيه" هذا العام، عن قرار المنظّمين استبعادَكَ. ما السبب؟
برّر سحب اسمي من قائمة المتدخلين بسبب الاحتجاج على دعوة الكاتبة كارولين فوريست إلى هذه الحفلة، علماً أن الأخيرة تحكي كثيراً عن الإسلاموفوبيا التي تؤدي يومياً إلى مصائب كثيرة في فرنسا. لهذا، من غير المقبول إعطاؤها فرصة الكلام في احتفال يُقال إنه تقدمي. وهذا يظهر الهوّة بين منظمي الاحتفال السنوي للصحيفة الشيوعية والأحياء الشعبية.
وسنواصل إدانة جميع الممارسات الاستثنائية ضد قسم من السكان، من سود وعرب وأمازيغ ومسلمين وغجر.

* ما هو موقفك من انتفاضة الضواحي؟ وهل استوعبت السلطة السياسية الفرنسية الدرس؟
السلطة الفرنسية استوعبت الوضع جيداً، واختارت اللجوء لخيارات اقتصادية وسياسية تزيد من أزمات الأحياء الشعبية بشكل حتمي. وتعرف هذه الأحياء الشعبية ثلاثة مسارات وضعتها الدولة، أنتجت عنفاً اجتماعياً، وهي مسار الإفقار والتهميش والتمييز العرقي. وأدت سياسات الدولة إلى إفقار الشرائح الأكثر فقراً، وإغناء الأكثر غنى. ومن أجل التحكّم بانتفاضات محتملة، أرسيت سياسة مراقبة بوليسية منتظمة، لتكون النتيجة هي موت مواطن من هذه الأحياء الشعبية كل شهر.

* تضمّ الحكومة ثلاث وزيرات يتحدرن من أصول غير فرنسية. هل ترى في الأمر انفتاحاً حقيقياً على الأقليات غير البيضاء؟
هناكَ طريقتان دائماً لطرح سؤال حضور أقليّات غير بيضاء في أجهزة القرار. إما أن نعتبر أن الأمر لا يتعلق، في نهاية الأمر، سوى بانعكاس مكوّنات المجتمع الفرنسي، أو على النقيض، فإن دفع الأفراد إلى الواجهة يتيح تبرير التفاوت الشاسع الذي يمس هذه الأقليات. في الزمن الكولونيالي، كان الأمر يحمل اسم "أهالي الجمهورية المتطورون" الذين يُدفَع بهم إلى الواجهة من أجل نفي وإنكار التفاوت الكولونيالي البنيوي. يتعلّق الأمر، في الحقيقة، بتكريس نظام الهيمنة على الهامش من أجل إعادة إنتاجه بشكل أفضل.

* هل أنت من المدافعين عن "العنصرية التي تستهدف البيض"؟
هذا التعبير فارغ من أي معنى، وهو ليس جديداً. كان يُلَوَّح به في الزمن الكولونيالي في كل مرة يدين فيها المستعْمَرون الهيمنة المُسلَّطَة عليهم. ويطلق المتهمون تعبير "عنصري ضد البيض" على كل من يدين تمييزاً عنصرياً. بالنسبة لي، العرق لا يؤدي إلى العنصرية، بل العكس. وهنا تحضرني مقولة لنيلسون مانديلا: "الظالم الجائر هو الذي يفرض دائماً شكل الكفاح".

* يتوقّع الروائي الفرنسي ميشيل ويلبيك في روايته الأخيرة، وصول رئيس مسلم إلى قصر الإليزيه عام 2022. ما رأيك؟
لن يحدث أمر كهذا في وقت قريب. كما أن وجود رئيس أسود في الولايات المتحدة لم يلغِ العنصرية البنيوية في البلاد، ولا استمرار الحروب من أجل النفط. القضية المطروحة في فرنسا هي المساواة وليس ديانة الرئيس.

اقرأ أيضاً: فرنسا: 100 مليون يورو لمكافحة العنصرية والإسلاموفوبيا