سباق على المناصب في الحكومة المصرية الجديدة

سباق على المناصب في الحكومة المصرية الجديدة

07 يونيو 2018
من غير المحسوم بقاء شريف إسماعيل (العربي الجديد)
+ الخط -
عادت التغييرات الحكومية لتفرض نفسها على المشهد السياسي والاقتصادي المأزوم في مصر، بعدما أعلن رئيس الوزراء شريف إسماعيل استقالته، أول من أمس، وتكليف رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي له بتسيير الأعمال مع حكومته لحين تشكيل حكومة جديدة، وذلك كله في ظل غضب شعبي مكتوم من الزيادات المتتالية والمرتقبة في أسعار الرسوم الخدمية والمرفقية والمحروقات، وحالة من عدم الاكتراث تسيطر على الشارع إزاء تغيير الحكومة كاملة أو بعض الوزراء، فالجميع يدرك أن السياسات والقرارات ترتبط بإرادة وخطط السيسي نفسه، وأن الوزراء هم مجرد أدوات لتنفيذ هذه الخطط.
وفي مقابل عدم الاكتراث الشعبي بتغيير أو بقاء شريف إسماعيل ازدادت وتيرة المعلومات المتداولة في أروقة مجلس الوزراء والوزارات المختلفة حول المرشحين للرحيل، والمرشحين الجدد للحقائب، وبدء الأجهزة الرقابية في إعداد تقارير عن نواب الوزراء ووكلاء الوزارات. في موازاة ذلك، حاول بعض الوزراء المشكوك في بقائهم بسبب تطورات الأحداث، كوزير التموين علي المصيلحي (الذي ضبطت قضية رشوة كبرى بين مساعديه أخيراً)، ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار، ووزير العدل حسام عبدالرحيم، تسريب أخبار عبر وسائل الإعلام عن استمرارهم في مواقعهم، كمحاولة لاستباق أي قرار رئاسي باستبعادهم من الحكومة المقبلة.




ورغم أن شريف إسماعيل كان محل انتقاد دائماً بسبب ضعف أدائه وتراجع مجهوده، حتى بعد عودته من رحلته العلاجية مطلع العام الحالي، ومع أنه التزم الصمت في ما يتعلق بمستقبله، إلّا أن المصادر تكشف وجود خلاف في وجهات النظر بشأنه بين السيسي ومدير مكتبه عباس كامل وقيادات جهاز الاستخبارات الذين يقيّمون أداء المسؤولين.
فخلال الربع الأول من العام الحالي كان عباس كامل قد لمّح في بعض جلساته إلى أن السيسي يميل لتغيير شريف إسماعيل، وأنه سيكون له دور بعد رحيله بما يناسب حالته الصحية وخبراته، يتمثل في منصب استشاري بمجال تعاقدات البترول، كما حدث مع سلفه إبراهيم محلب، الذي يتولى حالياً منصب مستشار السيسي للمشروعات القومية ويترأس لجنة استرداد أراضي الدولة.
لكن هناك مستجدات حملت السيسي – وربما ستظل تحمله – على إبقاء شريف إسماعيل حتى نهاية العام على الأقل، أبرزها رغبته في تحميل الحكومة الحالية مهمة تمرير قرارات زيادة أسعار المحروقات كما تحملت قرارات الزيادة العام الماضي، وكذلك زيادة أسعار تذاكر المترو والرسوم الخدمية أخيراً. يضاف إلى ذلك، أن السيسي لم يعثر حتى الآن على بديل مناسب يمكن تحميله الانتقادات النيابية والإعلامية الصورية وقليلاً من الغضب الشعبي وأن يقابل كل هذا بالصمت والاستمرار في تنفيذ المهام الموكلة إليه.
وبحسب مصادر حكومية مطلعة، فإن "السيسي استشف في شريف إسماعيل قدرته على الاستمرار في ظل الرئيس، وفي الإطار المحدد له على مدار السنوات الثلاث الماضية، وبصفة خاصة في الآونة الأخيرة التي شهدت تفاقم الحالة المرضية التي يعاني منها شريف إسماعيل، ورغم ذلك كان مستمراً في العمل بدون أي رغبة في التنصل من مسؤولية اتخاذ قرارات كفيلة بإغضاب الرأي العام، بل إنه لم يتقدم باستقالته رسمياً بعد عودته من الرحلة العلاجية، في وقت كان السيسي يفضل أن يقدم إسماعيل استقالته حتى لا يبدو وكأنه يبعده عن السلطة لأسباب صحية، لكن هذا لم يحدث".
لكن السيسي يظل وفياً لتقاليده، فهو دائماً يبحث عن بديل ويجهز له، مدفوعاً بعدم الثقة، وكذلك الرغبة في السيطرة على مقاليد الأمور، وهو ما زال لا يريد إسناد المنصب لشخصية عسكرية أو لأي شخصية كاريزمية، حتى يسهل توجيهه ويكون أكثر تحملاً وصمتاً على أي هجوم إعلامي أو سياسي محتمل، ومن جانب آخر يريد شخصاً على دراية بالتفاصيل الاقتصادية المعقدة، ولا ينقصه النشاط الوفير والقدرة على بذل المجهود البدني، كما يكون أقدر على متابعة الملفات الفنية التي كان السيسي يحرص على متابعتها بنفسه، مثل ملفات مشروعات الإسكان والزراعة والإنشاءات الجديدة والتنسيق مع الجيش، وهي ملفات كان السيسي يتدخل لإدارتها بشكل مباشر منذ إقالة حكومة إبراهيم محلب في خريف 2015.
المؤشرات والتكهنات تصعد باسم مدير هيئة الرقابة الإدارية محمد عرفان، الذي تربطه علاقة قوية بالسيسي، وبدأت الهيئة تتمتع في عهده بممارسة سلطة رقابية مباشرة على الوزراء والمحافظين. إلا أن المصادر توضح أن السيسي يفضل بقاء عرفان في مكانه لأطول فترة ممكنة، على رأس ما أصبح يعرف في الأروقة الحكومية بـ"حكومة الظل" أو "الحكومة السرية" التي يديرها عرفان بمهارة، فهو متداخل بواسطة أعضاء الهيئة في عمل جميع الوزارات. كما تملك الهيئة ممثلين سرّيين لها في دواوين الوزارات بزعم مراقبة الإجراءات الإدارية والمالية ومكافحة الفساد، وبالتالي فإن بقاء عرفان في منصبه يضمن للسيسي رقابة مستديمة على الحكومة بما يحقق أهدافه.
وخلف عرفان تتداول التكهنات اسم وزير الإسكان مصطفى مدبولي، كأبرز المرشحين المحتملين لخلافة إسماعيل من داخل الحكومة، مدعوماً باختيار السيسي سابقاً له قائماً بأعمال رئيس الوزراء خلال فترة علاج إسماعيل في ألمانيا، وقد أصبح على علاقة وطيدة بالدول الداعمة للسيسي، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، بسبب إشرافه على أعمال العاصمة الإدارية الجديدة والمنتجعات الجاري إنشاؤها شرق القاهرة. كما كان لافتاً اصطحاب السيسي له خلال مشاركته بالقمة العربية الأخيرة، رغم أنه ليس نائباً رسمياً لرئيس الوزراء.
وتحاول وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر ترويج اسمها كمرشحة لرئاسة الوزراء، مستغلة علاقاتها الجيدة بمجتمع البنوك والبورصة وبالحكومات الخليجية والمستثمرين، خصوصاً أنها تتمتع بقبول في الأوساط الإعلامية، ومدعومة أيضاً من مستشارة السيسي للأمن القومي فايزة أبو النجا.
وبينما تراجعت أسهم وزير الشباب والرياضة خالد عبدالعزيز بسبب المشاكل التي لم يستطع السيطرة عليها في المجال الرياضي خصوصاً في ما يتعلق بالأوضاع المالية لنادي الزمالك ومشروعات التعاون الرياضي مع السعودية، تصعد التكهنات باسم وزير التربية والتعليم طارق شوقي، والذي يحظى كل يوم بمساحة أكبر لدى السيسي بسبب أفكاره المتماشية مع الأهداف الاقتصادية للنظام نحو تخفيض الدعم وزيادة موارد الدولة، إلى جانب قدرته على تأمين مساعدات ودعم مالي من حكومات وجهات أجنبية، فضلاً عن خبرته في المجال الهندسي والإداري.
وعلى مستوى الوزراء، يبدو أكيداً حفاظ وزراء الكهرباء والتضامن والتخطيط والمالية بحقائبهم، والتعليم والإسكان والاستثمار والرياضة كذلك، حال عدم ترقية أحدهم لرئاسة الوزراء. لكن الحقيبتين البارزتين المعرضتين للتغيير هما الداخلية والعدل، فالسيسي ليس راضياً عن أداء وزير الداخلية مجدي عبدالغفار بسبب فشله في إحكام السيطرة على جهاز أمن الدولة، رغم أنه من أبنائه وكان الهدف الأساسي لاختياره هو إعادة تنظيمه. وأدى فشله في مهمته إلى مشاكل عديدة مع الأجهزة الأخرى، كالاستخبارات والرقابة الإدارية، ولذلك أصبح دور عبدالغفار مقتصراً في الآونة الأخيرة على الشؤون الإدارية للوزارة وأجهزتها، بينما يختص المستشار الأمني للسيسي أحمد جمال الدين بتحديد سياساتها وإصدار التعليمات للقيادات، وهو أمر يثقل كاهل رئاسة الجمهورية بأعباء أدنى من مسؤولياتها المفترضة.
أما وزير العدل حسام عبدالرحيم، فرغم صداقته بشقيق السيسي القاضي أحمد السيسي، والتزامه الحرفي بتعليمات السيسي ونجاحه في فرض سياج محكم من السرية حول النيابة العامة والقضاء ما أدى لتواري مشاكل القضاة عن الظهور في الإعلام، ونجاحه في فرض سيطرة السلطة على الهيئة الوطنية للانتخابات وجهازها التنفيذي، ومشاركته في إنهاء قضية تيران وصنافير، إلا أن فشل عبدالرحيم في ملف إعداد التشريعات وتسببه في مشاكل مع بعض الوزارات الأخرى، جعل دائرة السيسي تفكر في تغييره.
وسبق أن ذكرت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أن السيسي يرغب في تجديد دماء وزارة العدل باختيار وزير صغير السن، وهنا يبرز اسم وزير شؤون البرلمان الحالي عمر مروان كمرشح محتمل لتولي هذه الحقيبة السيادية، خصوصاً أنه يتمتع بخبرة طويلة في الوزارة كمساعد لعدد من الوزراء، منهم عبدالرحيم نفسه، لكن هناك دوائر أخرى تروج لتعيين رئيس سابق لمحكمة النقض في منصب الوزير، ليكون أكبر سناً من كل القضاة، إذ يسعى لهذا المنصب كل من رئيسي محكمة النقض ومجلس الدولة الحاليين مجدي أبوالعلا وأحمد أبوالعزم، واللذين عينهما السيسي في مخالفة لقاعدة الأقدمية، ويتمتعان بعلاقات جيدة بالأجهزة الرقابية.