رسالة من سجين سياسي: كيف نقاوم الاعتقال؟

رسالة من سجين سياسي: كيف نقاوم الاعتقال؟

05 يونيو 2016
(حارس في أحد المعتقلات المصرية، تصوير: محمد حسام)
+ الخط -

إذا كان اعتقال السلطة المستبدة لمعارضيها يتجاوز هدف الانتقام منهم إلى كونه ركنًا أساسًا في خطة ممنهجة لوأد المعارضة وإنهاء الثورة؛ فإنه يصبح لزامًا على الثورة أن تفكّر في آليات ممنهجة لمقاومة هذه الأداة الفعالة وتفريغها من كل مضمونها أو بعضه أو تقليص آثارها السلبية على أقل تقدير.

أولى هذه الآليات: محاولة تجنب الوقوع في الاعتقال قدر المستطاع، بالتحلي بالحس الأمني العالي واتخاذ الإجراءات المناسبة في ذلك. فقد لاحظت أن بعض الثوار يتعاملون بأريحية مفرطة وكأنهم غير مطلوبين للاعتقال، ولاحظت كذلك أن بعضهم يظن أن الاعتقال بطولة في حد ذاته؛ فتراهم لا يحتاطون للإفلات منه كما ينبغي ويستسلمون له وكأنهم ذاهبون إلى نزهة، وتناسوا أن اعتقالهم يعني خصمًا من رصيد الحركة الثورية وتمكينًا للسلطة المستبدة من أن تستخدم هذه الورقة الضاغطة بشدة على الحراك الثوري برمته. إن الثائر ليس مجرد شخص معلق في الهواء؛ بل هو ترس في عجلة الثورة التي تتأثر حركتها بفقدانه.

إن الثوار مطالبون بتحقيق المعادلة الصعبة؛ حراك ثوري مستمر وحالات اعتقال قليلة. إذ عليهم أن يبتكروا من وسائل العمل ما يجعلهم قادرين على استمرار الحراك الثوري دون توقف خشية الاعتقال، وإلّا فقد حكموا على حراكهم بالإضعاف الذاتي، وفي الوقت ذاته يتجنبون الوسائل الثورية التي من شأنها أن توقع عددًا كبيرًا منهم في قبضة الاعتقال.

ثاني هذه الآليات: أن يكون هيكل الحراك التنظيمي قادرًا على تعويض من يفقدهم من قياداته وكوادره في مستوياته المختلفة، بمعنى أن يعمل بمؤسسية ومرونة تمكّنه دائمًا من تجديد الدماء واختيار بدائل لمن يسقطون في فخ الاعتقال.

وإذا كان الصراع مرشحًا للبقاء مدة طويلة من الزمن؛ فإن الآلية الثالثة قد جاء دورها؛ أن ينقل الحراك الثوري بعض قياداته وعناصره إلى خارج القُطر؛ ليكونوا من ناحية مخزونًا استراتيجيًّا للحراك الذي يواجه خطر الاستئصال، وليقوموا من ناحية أخرى ببعض المهام التي لا تستوجب وجود أصحابها داخل البلاد وتحتاج في الوقت ذاته إلى حرية في التحرك والعمل.

رابعاً: تصدير خطاب إعلامي بشأن المعتقلين يصب في صالح الثورة ويفوت الفرصة على السلطة المستبدة التي تستخدم الاعتقال لترهيب المجتمع.

فإذا دار خطاب الثورة الإعلامي حول تعرض المعتقلين للانتهاكات وحسب، فإننا بذلك نخدم السلطة المستبدة التي تريد تسليط الضوء على هذا الجانب لنشر الخوف بين الناس.

أما إذا جعلنا شعار خطابنا الإعلامي: المعتقلون صامدون برغم الانتهاكات؛ فإننا بذلك نثبت وجود الانتهاكات ولكننا نضعها داخل غلاف الصمود والتحدي الذي نهدف به إلى نشر ثقافة المقاومة والثبات بدلًا من ثقافة الخوف والركون.

خامساً: جعل أسر المعتقلين ودوائر اتصالهم الطبيعية (من أقارب وجيران وأصدقاء وزملاء عمل ودراسة) ورقة ضغط لصالح الثورة بدلًا من أن يكونوا ورقة ضغط لصالح السلطة المستبدة.

فإذا رأى المجتمع، مثلًا، أبناء المعتقلين ما يزالون متقدمين دراسيًّا وأسرهم الصغيرة مستمرة في المشاركة في فعاليات الثورة؛ فإن الأثر السلبي للاعتقال تقل نسبته في أذهان الناس.

وحينما تتكوّن روابط من أسر المعتقلين ودوائر اتصالهم الطبيعية تضغط للإفراج عنهم؛ فإننا بذلك قد حوّلنا الاعتقال السياسي من ورقة تضغط بها السلطة على المجتمع والثورة إلى ورقة يضغط بها الحراك على السلطة.

جوهر هذه الآليات المقترحة أن يسعى الحراك الثوري - بعد أن يدرك أهداف السلطة من الاعتقال - لتفريغ هذا الاعتقال من مضامينه أو لتقليل بعض آثاره السلبية وتحويل جزء منها ما يفيد الثورة. وهي مقترحات قابلة للتعديل والإضافة بطبيعة الحال.


*  مُعتقل في سجن الفيوم العمومي على ذمة قضية سياسية، عمل مدرسًا ومدققًا لغويًا.

المساهمون