ذهول عالمي لأحكام "العار": واشنطن منزعجة وبان يشعر بالهلع

ذهول عالمي لأحكام "العار": واشنطن منزعجة وبان يشعر بالهلع

28 ابريل 2014
تظاهرات تضامنية مع الإخوان في تركيا (Getty)
+ الخط -
أجمعت ردود الفعل الدولية والإقليمية على التنديد بأحكام الإعدام الجائرة الصادرة اليوم الإثنين، بحق قيادات في جماعة "الإخوان المسلمين"، ومواطنين مصريين، واتفقت على أنها عودة الى الدكتاتورية، وخطوة نحو تأزيم الوضع المصري.
وفي أول ردود الفعل، انتقد نائب رئيس الوزراء التركي، بولنت أرينتش، الأحكام التي قضت بإحالة أوراق مرشد جماعة "اﻹخوان" المسلمين، محمد بديع، و682 آخرين، إلى مفتي الجمهورية.
ونقلت وكالة "الأناضول" عن أرينتش قوله إن "الحكم بالإعدام استناداً إلى تهم بسيطة للغاية وعبر محاكمة صورية، ليس وصمة عار لمصر فقط، بل للصامتين حيال هذا الأمر، وغير المناهضين له".

وانتقد أرينتش الدول التي تتجاهل التنديد بالحكومة المصرية على خلفية قرارات الإعدام، قائلاً: "اعتقد أن تركيا أبدت رد الفعل اللازم في هذا الإطار، وعلى جميع الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، الوقوف في وجه الإعدامات".
ونقلت وكالة "الأناضول" الإخبارية عن الرئيس التركي، عبد الله غول، قوله "لا يمكن قبول مثل هذه العقوبات الصادرة عن محاكمات سياسية والتي لا يقبلها العقل، في هذه المرحلة غير الاعتيادية، التي علقت فيها الديموقراطية، وأرى أن هذه العقوبات تمثل إساءة كبيرة لمستقبل مصر".

وقال رئيس البرلمان التركي جميل جيجال، إن تركيا تتابع قرارات الإعدام في مصر بقلق بالغ وتأمل عدم تطبيق هذه القرارات، مضيفاً "هذا ليس طريقاً صحيحاً، على الرأي العام العالمي التحرك قبل فوات الآوان لمنع تنفيذ هذه القرارات".
ورأى الرئيس الألماني، يواخيم جاوك، عقب لقائه مع نظيره التركي غول في أنقرة، أنه "ليس هناك أحكام بالإعدام في ألمانيا. ألمانيا لا توافق على أحكام الإعدام. هذه النوعية من العقوبات غير مفهومة للأوروبيين. نحن في غاية القلق".

ومن ستوكهولم، طالب وزير الخارجية السويدي، كارل بليدت، العالم بالتحرك بعد صدور الأحكام. وقال، في تغريدة على حسابه الرسمي في "تويتر": "على العالم أن يتحرك".

واشنطن منزعجة وباريس قلقلة

وقال البيت الابيض إن واشنطن "منزعجة بشدة" من أحكام الاعدام الجماعية المحتملة في مصر، وتحث الحكومة على وقف المحاكمات الجماعية.

وأعربت الخارجية الفرنسية عن قلقها العميق حيال صدور أحكام الإعدام، وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال إن "فرنسا تكرر التأكيد على معارضتها عقوبة الإعدام". وأضافت في بيان "على غرار الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي والمفوضة العليا لحقوق الانسان في الأمم المتحدة، نكرر دعوتنا السلطات المصرية الى ضمان محاكمة عادلة للمتهمين، استناداً الى تحقيق مستقل مع احترام حقوق الدفاع عملاً بالمعايير الدولية وأحكام الدستور المصري".

وأضاف في بيان "قرار اليوم، مثل ذلك الصادر الشهر الماضي، يتحدى المعايير الأساسية للعدالة الدولية. الحكومة المصرية مسؤولة عن ضمان حصول كل مواطن على الاجراءات الواجبة بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة تقدم فيها الأدلة بوضوح وحق الحصول على محام". وقال "نحث الحكومة المصرية على انهاء استخدام المحاكمات الجماعية والتراجع عن هذه العقوبات الجماعية وايضا العقوبات السابقة وضمان حصول كل مواطن على الاجراءات الواجبة".

وفي نيويورك، قال المكتب الإعلامي للأمم المتحدة في بيان إن الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون عبر عن الهلع من التقارير عن أن محكمة مصرية أحالت إلى المفتي أوراق 683 من الإخوان بينهم المرشد العام.

وأضاف البيان "يشعر الأمين العام بالهلع من الانباء عن إصدار عقوبة اعدام جماعي أولية أخرى اليوم في مصر، وكانت الأولى من هذا القبيل يوم 24 مارس/ آذار". وأشار الى أن "الأحكام التي يبدو واضحاً أنها لا تفي بمعايير المحاكمة النزيهة، وخاصة تلك التي تفرض عقوبة الاعدام. من المرجح أن تقوض احتمالات الاستقرار على المدى الطويل".

واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الإثنين، أن أحكام الإعدام المصرية الصادرة بحق "الإخوان المسلمين" وأنصارهم، الأكبر في تاريخ العالم الحديث، ودعت السلطات المصرية إلى إعادة النظر في قوانين الإرهاب، لأنها تنتهك حقوق الإنسان.
وقالت المديرة التنفيذية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، ساره ليا ويتسون، إن "القرارات يمكن أن تكون أكبر عدد من أحكام الإعدام في تاريخ العالم الحديث. وبينما هي استثنائية في ضخامتها فإنها ليست استثنائية في نوعها". وأضافت "يبدو أن الغرض من هذه الأحكام بث الخوف والرعب في قلوب الذين يعارضون الحكومة المؤقتة".

بدوره، قال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، جو ستورك، إنه "من الواضح أن الاعتداءات الإرهابية تمثل تهديداً أمنياً خطيراً في مصر اليوم، لكن التعدي على الحقوق الأساسية لن يجلب المزيد من الأمن للبلاد، ويجب احترام حقوق الإنسان حتى أثناء المعركة ضد الإرهاب".

وأضافت المنظمة الدولية، في بيان حمل عنوان "لا بد من مراجعة قوانين الإرهاب وذلك بهدف صيانة الحقوق"، أنه يتعين "على مصر أن تعيد النظر في مشروعات قوانين مكافحة الإرهاب وذلك بهدف حماية الحق في الحياة وغيره من الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور والقانون الدولي".

ووصفت المنظمة التعديلات التي أجراها الرئيس المؤقت، عدلي منصور، على القوانين المصرية المتعلقة بالإرهاب، بأنها "شديدة الغموض وفضفاضة على نحو مبالغ فيه، ومن شأنها منح الأجهزة الأمنية سلطات كاسحة لاحتجاز المواطنين والتجسس عليهم وعلى مساكنهم".

وعلّق ستورك مشيراً إلى أنه بموجب هذه التعريفات فإن أي شخص شارك فيما يعرف بـ"انتفاضتي 2011 و2013 الشعبيتين" يمكن أن يوصم بالإرهابي، ولا يجوز تجريم الاحتجاج السلمي بوصفه بالإرهاب.
وكتب رئيس وحدة التوقعات الاقتصادية في مركز أبحاث "سيجنيت"، أنجوس بلير، على "تويتر" أنه "في شهر أصدرت مصر أحكاماً بالإعدام على أشخاص يزيدون في العدد على كل من صدرت عليهم أحكام بالإعدام في العالم كله. ليست هذه أخبار تدعو إلى الثقة".

حقوقيو المغرب: الأحكام عودة إلى القرون الوسطى

واستنكرت منظمات حقوقية في المغرب أحكام الإعدام بالجملة في مصر، واعتبرتها "اعتداء صريحا على الحق في المحاكمة العادلة"، مطالبين بإيقاف المجازر الدموية التي يمارسها الحكام العسكريون ضد الشعب المصري.

وقال رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، لـ "العربي الجديد": "إن قضاء الانقلابيين أضحى أداة تستعمل لقتل خصومهم باسم القانون والعدالة، وعودة إلى القرون الوسطى، لما كان الحكام المستبدون يأتون بمعارضيهم أمام قضاء وهمي ليحكم عليهم بالإعدام".

واعتبر أن "الأحكام الجديدة بإعدام أعضاء جماعة الإخوان، وفي مقدّمتهم المرشد محمد بديع، يمكن أن تدخل كتاب "غينيس" للأرقام القياسية"، مشيراً إلى أن "التاريخ لم يسبق له أن سجل هذا الكم الهائل من الأحكام عديمة السداد والموضوعية".

وقال إن هذا الحكم "ليس قاسياً فحسب، بل تشتم منه رائحة الانتقام والضغينة والرغبة الجامحة لمحو تيار سياسي، ليس من أدبياته ممارسة العنف في نضاله، كما أن الحكم لا علاقة له بالأسس السامية للحكم بالعدل بين الناس".

وأبدى المركز المغربي لحقوق الإنسان خشيته من أن يتسبب تنفيذ أحكام الإعدام في حق هؤلاء الأبرياء، في غرق مصر في بركة من الدماء، لأن الأمر لا يتعلق بتيار صغير يمكن تطويقه، بل بجماعة لها جذورها المتشعبة في المجتمع المصري، ومناصروها يتجاوزون الآلاف.

كما انتقدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إحد أكبر المنظمات الحقوقية في المغرب، الأحكام، داعية إلى الضغط على السلطات المصرية للمصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني، الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.

محاكمات تمهد للانفجار
وفي الخرطوم، دانت التيارات الاسلامية المحاكمات، وأكدت أنها ستعمق الأزمة في القاهرة وستقود لتفجير الوضع بشكل أكثر. وقال أمين العلاقات الخارجية بحزب "المؤتمر الشعبي" الاسلامي المعارض بشير أدم رحمة، لـ"العربي الجديد"، إن تلك الأحكام تعد سياسية في المقام الأول ولا علاقة لها بالأحكام القضائية. وأوضح "مثل تلك المحاكمات لم تقع في تاريخ المحاكمات العسكرية". وأضاف "وهي ليست جيدة في حق القضاء المصري".

وأكد أن من شأن هذه الخطوة أن تفتح الباب واسعاً أمام المجموعات المتطرفة للعمل خارج إطار القانون بسبب فقدانهم الثقة في نظام الدولة. وشدد على أن "هذا ليس في صالح مصر، لاسيما وأنها ستزيد من تأزيم المشهد السياسي فيها ".

واتفق مع رحمة القيادي بحركة "الاصلاح الآن" الاسلامية المعارضة، أسامة توفيق، قائلاً إن المحاكمات ستعقد من الأزمة المصرية، وستفرز مجموعات متطرفة، باعتبار أن الكبت "يولد الانفجار".

وأضاف توفيق لـ"العربي الجديد"، أن الأحكام وصمة عار في جبين القضاء المصري، داعياً الى ضرورة الابتعاد عن مثل تلك الممارسات وإعلاء لغة الحوار وقبول الرأي والرأي الآخر للوصول لصيغة تفاهم تعيد لمصر استقرارها.

العودة لزمن البربرية

في هذه الأثناء، لا تزال الأحزاب التونسي والمجتمع المدني في تونس تعيش هول صدمة القرار القضائي المصري الجائر، وجاءت أولى ردود الفعل من حركة "النهضة"، التي قال عضو مكتبها التنفيذي والمكلف بالإعلام، عجمي الوريميل، لـ"العربي الجديد": نرفض هذه الأحكام بشكل جذري ومبدئي، فما يحدث الآن أخطر مما كان قبل الثورة المصرية، ولا يمكن اليوم العودة الى زمن البربرية والهمجية و التعسف لأنه عكس اتجاه التاريخ ويدخل المجتمعات في متاهات، وكلفة هذه القرارات ستكون باهظة وكارثية على جميع الأصعدة، الانسانية والأخلاقية والأمنية والاقتصادية؛ فنحن نريد أن ننهي حالات الانقسام و نريد أن نحصن مجتمعاتنا ونقوي الجبهة الداخلية في مواجهة الفقر والتخلف والجهل".

وأكد أن "المحاكمات السياسية والحل الأمني لم يكونوا أبداً حلولاً صالحة لحل أزمات الشعوب، والمفروض أن نتعظ من دروس الماضي، ونحن نهيب بكل العقلاء في العالم والحكماء في مصر أن يعودوا الى مبادئ الثورة، وهي العدل والحرية والمساواة".