ديمقراطية الديكتاتوريات

ديمقراطية الديكتاتوريات

31 مايو 2014

اقتراع في الانتخابات الأوكرانية الرئاسية (مايو 2014 Getty)

+ الخط -

اخترنا في الشرق اللعبة الديمقراطية. لم نشأ أن نخرج عن السياق "الطبيعي" لمسار التاريخ. نريد الديمقراطية الصورية، في وقت نرفض فيه الديمقراطية الفعلية. اخترنا تكبيل الديمقراطية بأغلال الديكتاتورية، على أن نبرزها في كل سانحة، على قاعدة أن "الشعب يريد".
لا يكفي استعراض بضعة صناديق اقتراع، وحمل بضع أوراق تصويت، وإقامة المهرجانات، لتوحي بأن الديمقراطية بألف خير. ولا يكفي إغداق الوعود من دون محاسبة لاحقة، وتنجح، كما كان في سالف الأزمان، وبنسبة تتجاوز الـ90 في المئة، لتسمع "منحبّك يا ريّس".
في الأيام المصرية الثلاثة، صورة عن ديمقراطية مقنّعة، تشبه الديمقراطية في الشكل فقط، لكنها ديكتاتورية المضمون، وإلا فإن انقلاباً آخر قد يشرئب برأسه، في حال لم تتوافق حسابات المواطن مع حسابات العسكر. وما جرى مع الرئيس الجديد، عبد الفتاح السيسي، ليس إلا صورة منقّحة عما كان يجري مع الرئيس المخلوع، حسني مبارك.
 في سورية، لا يُمكن أن تكون رئيساً ما لم يكن اسمك بشار الأسد، على اعتبار أن قانون الانتخابات الرئاسية وُجد لأجله، لأجله فقط. على الرغم من نزوح ملايين السوريين ولجوئهم، داخل سورية وخارجها. ليس هذا فحسب، بل إن القوانين الانتخابية كلها، والتي تتالت منذ العام 1970 (تاريخ تسلّم آل الأسد السلطة)، لم تسمح ببروز ديمقراطية فعلية في البلاد، على الرغم من تعدّد الشعارات الداعية إلى "حرية الشعوب" و"تطوّرها".
في لبنان، لا يُمكن أن تكون رئيساً، ما لم تتوافق عليك كوكبة من الدول على وجه البسيطة، ولا يؤخذ برأي المواطن اللبناني، المعني الأساس، وذلك باسم الديمقراطية التوافقية، التي تكفلها الدكتاتورية الطائفية. ولا يُمكن تعليل ذلك بالاحتلال السوري للبنان (2005-1990)، بل إن اللبنانيين اعتادوا أن تختار لهم دول العالم رئيسهم، في سابقةٍ لم يشهدها أي بلد في العالم.
في المقابل، تجد أن أوكرانيا التي تعاني في شرقها من موجة انفصالية، لن تهدأ قبل نيل الحكم الذاتي حدّاً أدنى، أو الاستقلال التامّ حدّاً أقصى عن السلطات المركزية في كييف. هذه الـ"أوكرانيا" تمكنت من تأمين انتخابات رئاسية نزيهة، على الرغم من اعتراض الأقاليم الانفصالية، وبشهادة "العدو" الروسي. هنا الفرق كلّه، في العقلية وفي الروحية.
في العقلية، ما زلنا نعتقد أن الديمقراطية مجرّد احتفالات إلغائية، لا تدعو إلى تقبّل الآخر، وما زال بعضهم يتصرّف على أساس أن وجودها في عالمنا المشرقي مجرّد محاولة لترسيخ ديكتاتورية لاحقة، وهو ما ستُثبت الأيام عدم جدواه، كون مسار التاريخ يمضي قدماً، ولا يعود إلى الوراء.
في الروحية، ما زلنا نخشى التغيير الطبيعي، والتطوّر الإنساني، لمصلحة شخصية وفردية. فالممارسة الديمقراطية فعل دائم، يُمكن ممارستها بشكل يومي، قبل الانتقال بها إلى العالم السياسي الواسع. وهو تحديداً الذي ما زلنا نفتقده، أو لم نجد طريقة البحث المناسبة عنه.
في الواقع، لم تختلف مشاهد رئاسيات 2014 عن سابقاتها في الأعوام السالفة، إلا أن المعلوم أن حركة التاريخ لا تتوقف، وما يحصل الآن لا يُعيد الأمور إلى ما كانت عليه، بل يُسرّع التغيير المرتقب. هي "صحوة موت" لديمقراطية الديكتاتوريات فقط.

 

 

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".