دولة فلسطين "تتسلّل" نحو الاعتراف البريطاني

دولة فلسطين "تتسلّل" نحو الاعتراف البريطاني

13 أكتوبر 2014
ستوافق الأحزاب الرئيسية على الاعتراف (Getty)
+ الخط -

تدخل "دولة فلسطين" مجلس العموم البريطاني من الأروقة الجانبية، وكأنها تتسلّل نحو القاعة الرئيسية، ونحو الاعتراف الرسمي من حكومة لندن.

ففي اختراق تاريخي، تشهد أروقة مجلس العموم البريطاني، اليوم الإثنين، جلسة نيابية غير مسبوقة وغير عادية، إذ دعا عدد من البرلمانيين البريطانيين إلى اجتماع يصوّت على اقتراح يدعو الحكومة البريطانية للاعتراف الرسمي بـ "دولة فلسطين". ووصف نائب رئيس المجلس الثوري لحركة "فتح"، صبري صيدم، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، الخطوة بـ "تصحيح التاريخ، بعد خطيئة وعد آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني العام 1917، الذي تسبب بهبات عدة وبنكبة ونكسة وانتفاضتين وحروب متكررة، ارتقت إلى حدود التطهير العرقي ومحرقة موجهة ضد الشعب الفلسطيني".

ويتوقع أن ينال الاقتراح موافقة ساحقة من النواب، بعد أن وجه زعيم حزب "العمال"، ايد ميليباند، نواب حزبه بالتصويت لصالح الاقتراح، وبعد أن عبّر معظم نواب حزب "الأحرار الديمقراطي" عن تأييدهم للاقتراح، إلى جانب إبداء عدد من نواب حزب "المحافظين" عن تأييدهم للاقتراح، بعد أن تركت لهم قيادة الحزب الحاكم حرية التصويت دون إلزامهم بمواقف الحكومة.

ومع أن الخطوة رمزية وغير رسمية، وغير مُلزمة للحكومة البريطانية، إلا أنها تنطوي على أبعاد سياسية داخل بريطانيا وعلى الصعيد الدولي، وخصوصاً أنها تأتي بعد أيام من إعلان السويد، أول دولة في الاتحاد الأوروبي، نيتها الاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية، ما أثار غضب الحكومة الإسرائيلية، التي استدعت السفير السويدي في تل أبيب للاحتجاج على قرار بلاده.

وأشار سفير فلسطين في المملكة المتحدة، مانويل حساسيان، لـ "العربي الجديد"، إلى أنه "على الرغم من أن هذه الخطوة رمزية وغير ملزمة للحكومة البريطانية، إلا أنها هامة جداً، لأنها تعكس التحوّل في الرأي العام البريطاني أولاً، وقد تشكّل عامل ضغط لإحداث تغيير في الموقف الرسمي تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية ثانياً. وإذا ما حدث ذلك، فسيُعتبر اختراقاً قد يتبعه تغيّر في مواقف دول أخرى من أعضاء الاتحاد الأوروبي".
ورفض حساسيان المبررات التي يسوقها بعض السياسيين البريطانيين في أن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يعتبر مفيداً لعملية السلام والمفاوضات". وأكد أن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية سوف يشكل قوة دفع لتحريك عملية السلام، ويشكل رافعة ضغط حقيقي على إسرائيل التي عرقلت وعطلت كل جهود السلام عبر السنوات الطويلة الماضية".

وتخشى إسرائيل من تأييد حزب "العمال" للاقتراح، إذ يمكن أن يكون مقدمة لاعتراف حكومة "العمال" المستقبلية بدولة فلسطين، في ظلّ ترك وزير الخارجية السابق، وليام هيغ (المحافظ)، الباب مفتوحاً أمام هكذا خطوة، عندما قال صراحة إن "بريطانيا تحتفظ بحقها في الاعتراف بدولة فلسطينية بشكل ثنائي، في أي لحظة تختارها وعندما يكون ذلك في صالح تحقيق السلام".

وفي خطوة لافتة، وجه مجموعة من الدبلوماسيين المتقاعدين، من بينهم قنصلان سابقان في القدس المحتلة، رسالة نشرت في صحيفة "اندبندنت"، حثّوا فيها النواب على تأييد الاقتراح، مؤكدين أنها "فرصة نادرة للنواب لمساعدة الحكومة على اتخاذ قرار تاريخي، من خلال ترجمة الشعور العام للبلاد تجاه قضية غير حزبية، وإننا نأمل انتهاز هذه الفرصة".

ولفت صاحب الاقتراح، النائب العمالي غراهام موريس، إلى أنه "شعر أن الوقت قد حان لكي نرفع الصوت مطالبين بتحقيق هذا المطلب. فإقامة الدولة ليست حقا غير قابل للتصرّف للشعب الفلسطيني وحسب، ولكن الاعتراف بدولة فلسطين سوف يمنح حياة جديدة لعملية السلام التي وصلت إلى طريق مسدود".

وينصّ الاقتراح الذي سيوضع للتصويت من قبل النواب على أن "هذا المجلس يعتقد أنه على الحكومة الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل". وتلاقي خطوة مجلس العموم البريطاني اهتماماً لافتاً في أوساط الرأي العام البريطاني، ولا سيما بين الجماعات الكنسية، والأقليات العرقية والشباب، والمنظمات الأهلية المؤيدة للشعب الفلسطيني، وفي الدوائر الانتخابية التي تضم نسبة عالية من الناخبين المسلمين. إذ تلقّى النواب خلال الأسابيع الماضية، أكثر من 150 ألف رسالة إلكترونية من الناخبين، تحثّهم على التصويت لصالح اقتراح الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وأبدى وزير الخارجية في حكومة الظلّ لحزب "العمال"، دوغلاس ألكسندر، اعتقاده بأن "الاقتراح سيكون متوافقا مع السياسة الرسمية الحالية لحزب العمال الداعية للاعتراف بالدولة الفلسطينية". وأضاف في مدونته الشخصية، أن "دعم حزب العمال الثابت لمبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هو جزء من دعم المفاوضات، وصولاً إلى حلّ شامل على أساس الدولتين. وهذا هو سبب تصويتنا لصالح دعم مبدأ إقامة دولة فلسطينية".

وأكد ألكسندر أن "حزب العمال يعتقد أنه في خضم اليأس وخيبة الأمل، يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات ملموسة لتعزيز الرأي الفلسطيني المعتدل، وتشجيع الفلسطينيين على تبني خيار السياسة ورفض خيار العنف، وتجديد الآمال بمصداقية إمكانية تحقيق إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، الى جانب إسرائيل آمنة عن طريق المفاوضات".

أما النائب المحافظ آلان دنكان، الذي يدعم الاقتراح، فيرى أنه "ليس هناك عملية سلام في الوقت الحالي وليس هناك سبب لطلب الإذن الإسرائيلي للاعتراف للفلسطينيين بالدولة، فهذا من حقهم، ونحن ينبغي أن نشعر بواجب أخلاقي لتقديم الدعم لهم". في المقابل يعارض النائب المحافظ غاتو بيب، الاقتراح ويرى أن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يجب أن يأتي فقط في ختام مفاوضات سلام ناجحة بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية".

وتعتبر وزارة الخارجية البريطانية، في موقفها الرسمي، "أن الحكومة البريطانية لا تزال تعتقد أن المفاوضات نحو حل الدولتين هي أفضل طريق لتلبية تطلعات الفلسطينيين في الواقع وعلى الأرض". ففي المحادثات الأخيرة التي أجراها وزير شؤون الشرق الأوسط، توبياس إلوود، الأسبوع الماضي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أكد على "ضرورة عمل كافة الأطراف عاجلاً تجاه التوصل لحل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية فاعلة ومزدهرة تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل تنعم بالأمان، وأن تكون القدس عاصمة مشتركة للدولتين".

وأولت الصحافة البريطانية اهتماماً بارزاً للنقاش البرلماني بشأن الاعتراف بدولة فلسطين، فقد ذكرت صحيفة "اندبندنت" في افتتاحية عددها يوم الخميس الماضي، أنه "ينبغي أن يعترف البرلمان بالدولة الفلسطينية". وأضافت الصحيفة أن "كعضو دائم في مجلس الأمن، دفنت بريطانيا رأسها لوقت طويل تحت الرمل، لقد آن الأوان كي يصوّت البرلمان لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفي ذلك تحقيق لأبسط صور العدالة".

أما صحيفة "غارديان" فقد نشرت مقالاً مطولاً في صفحة الرأي لعدد، يوم الجمعة الماضي، كتبه القنصل العام البريطاني السابق في القدس، وممثل بريطانيا لدى السلطة الفلسطينية، السير فنسنت فين، بعنوان "لقد حان الوقت الآن، أنه الوقت المناسب للمملكة المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين". وأضاف السير فين أن "البديل هو المزيد من العنف والظلم والتمييز، وعلينا اختراق هذا الطريق المسدود". وقال إن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعني تمهيد الطريق أمام حلّ الدولتين، الذي تقبل به الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا".

المساهمون