دروس لبنانية

دروس لبنانية

08 سبتمبر 2014
لاجئون سوريون ينزحون من بلدة عرسال (جوزف عيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
حتى لو تمّ إنهاء تنظيم "داعش" بالحديد والنار قريباً، في "الدولة" التي يحكمها اليوم بمساحة توازي كيلومترات بريطانيا، وفي أطراف تلك "الدولة" التي له وجود ولو أنه هامشي فيها، مثل بعض المناطق اللبنانية، فإنّ "دروسه" ستبقى ماثلة، وبقوة، عند اللبنانيين المعروفين بفقدانهم الذاكرة في كل ما يتعلق باجتماعهم السياسي وتاريخ علاقاتهم الطوائفية و"الوطنية".
ظل اللبنانيون يحاولون التعايش مع حالة إنكار إزاء احتمال وصول التنظيم إلى قراهم ومدنهم، وذلك بادّعاءات مختلفة، منها أن مجتمعهم محصّن ضد هذه الظواهر. طالت حالة الانكار عند اللبنانيين، إلا عند حزب الله المدرِك تماماً ما جنته يداه، بما أن انخراطه في إبادة الشعب السوري بصفة قائد المعركة، كان لا بدّ أن يحمّل لبنان تبعات كل الجرائم الانتقامية الممكنة، خصوصاً عندما تكون الساحة اللبنانية في هذا المستوى من الانقسام، وعندما يكون "الشارع" السني بهذا المستوى من اليُتم السياسي الذي يُختصر بأن زعيم السنة في لبنان شاب هاوٍ هارب من البلاد تفادياً لشبح ملاقاة مصير والده، وحزبه قائم على فلسفة ريعيّة، مفادها أن الشعبية مضمونة، وأن كل شيء يمكن شراؤه بالمال.
ما حصل في مناطق لبنانية عديدة، ليل السبت، غداة الإعلان عن ذبح "داعش" جندياً لبنانياً ثانياً مختطفاً لديه منذ معركة عرسال (أغسطس/آب 2014)، من حواجز أقامها مسلحون مدنيون يدققون بالهويات المذهبية للمارة في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومن تهجير للمقيمين السوريين في الجنوب والبقاع والضاحية، ومن إقفال للطرقات الرئيسية التي تؤدي إلى المناطق ذات الغالبية السنية في البلاد، لم يكن سابقة في السنوات الثلاث الماضية. كان جزءاً من مراكمة عوامل الانفجار الذي لا مؤشر على إمكانية سحب فتيله، إلا إذا كان حزب الله راغباً بذلك، وهنا يكمن الأمل الوحيد، وهو أن يتداوى اللبنانيون بالذي كان فيه داؤهم. لا بديل عن أن يضبط حزب الله "شارعه" اليوم، لأن حزب الله يدرك أن الانفجار لن يصبّ في مصلحته في أيٍّ من النواحي، لا في معركته السورية، ولا في وضعه الداخلي بعدما فقد الكثير أصلاً من رصيده كمقاومة، ولا أخيراً لجهة قدرته على صون تحالفاته الطائفية المحلية التي قد ينفرط عقدها في حال انفجرت حرب طائفية.

المساهمون