دروب التطبيع في إيلات.. هروب من البطالة إلى العدو

دروب التطبيع في إيلات.. هروب من البطالة إلى العدو

18 ديسمبر 2014
حصرت إسرائيل الوظائف التي يعمل فيها الأردنيون في التنظيف(الأناضول)
+ الخط -

منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي بدايات القرن الماضي، كان أي تعامل عربي مع الكيان الصهيوني، وبأي طريقة، يعتبر "خيانة"، وخاصة إلى الشرق من الأرض المحتلة، في الأردن، الذي دفع القسط الأكبر من ثمن احتلال إسرائيل لفلسطين. ورغم أن الأردن في عام 1994 قرر توقيع معاهدة سلام، وادي عربة، إلا أن هذه الخطوة لم تغير من صورة إسرائيل عند الشعب الأردني الذي ما زال يراها كيانا محتلا، وشبابه لا زالوا ينشطون في مبادرات وأطر دعم النضال الفلسطيني ورفض التطبيع مع الكيان الذي ارتكب، وما زال يرتكب، الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وما زالت الكثير من الفئات الشعبية تعتبر التعامل مع إسرائيل "خيانة وتطبيعاً"، إن كان على المستوى الرسمي أو الشعبي.

إلا أن هذا الواقع تغيّر قليلاً خلال السنوات الأخيرة، فقد بدأ العشرات من الشباب الأردنيين، خاصة من يسكن منهم مدينة العقبة جنوب البلاد، يرغبون بالعمل في إسرائيل، متجاهلين "اتهامات التطبيع مع دولة معادية"، وراضخين لظروفهم الاقتصادية الصعبة. فالعقبة التي على الرغم من أنها تعتبر "مدينة سياحية"، إلا أن نسبة البطالة بين الشبان وصلت إلى 15.2 %، بحسب دائرة الإحصاءات العامة، وتعاني مثل المدن والمحافظات الأردنية من ندرة فرص العمل وتدني الدخول الشهرية، حيث أظهرت دراسة لمركز فينيق للدراسات الاقتصادية أن 71% من دخولهم الشهرية أقل من 500 دينار، أي ما يساوي ثلث ما يأخذه الأردنيون في إسرائيل، الذين قد تصل رواتبهم إلى 1500 دينار.

وزارة العمل في الأردن تؤكد أنها غير مسؤولة عن تنظيم إرسال العمّال إلى "إسرائيل"، الذين يقدر عددهم، بحسب وزارة السياحة الإسرائيلية، بنحو 2000 عامل، يعملون بشكل رسمي، إضافة إلى مئات آخرين يعملون بشكل غير رسمي. ويعمل الشبان الأردنيون في مدينة إيلات الساحلية، التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن مدينة العقبة. ويتم دخول هؤلاء العمال من خلال معبر "وادي عربة". وتقوم حافلات تتواجد في منطقة "الرابية" في العقبة بنقلهم بشكل يومي وإرجاعهم إلى ذات المكان؛ لأن إسرائيل تشترط ألا يبيت أي من الأردنيين داخل "إسرائيل".

ويقوم سماسرة في مدينة العقبة بتنظيم عقود عمل للشباب الأردنيين في إسرائيل مقابل الحصول على مبالغ مالية قد تصل إلى 500 دينار. وازدهر عمل السماسرة مع ازدياد الرغبة الإسرائيلية في تشغيل الأردنيين، والموافقة على تشغيل 1500 شاب أردني، خاصة بعد النقص الذي أصاب الأيدي العاملة في منطقة إيلات السياحية، حيث يرفض الكثيرون الذهاب للعمل فيها، نظراً لبعدها عن باقي المدن في فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى طقسها الحار. ومع ذلك فقد حصرت إسرائيل الوظائف التي يعمل فيها الأردنيون في "تنظيف الأواني والفندقة والتنظيف العام".

وبحسب كتاب "عاملون وأجانب.. الاقتصاد السياسي لهجرة العمالة في إسرائيل" للكاتبة الإسرائيلية، أدريانا كيمب، فإن إسرائيل تتصدر الدول الصناعية في العالم التي تستورد العمالة الرخيصة. وتصف الكاتبة من يعملون في إسرائيل بأنهم يعيشون "في الساحة الخلفية للمجتمع الإسرائيلي"، وبأن إسرائيل "قامت على مدار السنوات الماضية بطرد آلاف الفلسطينيين والأردنيين والأفارقة الذين كانوا يعملون بشكل "غير قانوني" في سوق العمل الإسرائيلي".

ومع أن الأردن الرسمي لا يتحدث نهائياً عن موضوع إرسال العمالة إلى إسرائيل، إلا أن إسرائيل ترى في ذلك "تقوية للعلاقات السلمية بين البلدين، ومساهمة اقتصادية في حل أزمة البطالة العالية في جنوب الأردن"، وهذا بحسب وزير السياحة الإسرائيلي، عوزي لنداو. ورغم ذلك كانت إسرائيل دائماً ما تطارد العمال الأردنيين الذين كانوا يذهبون للعمل هناك بعد الحصول على تأشيرات سياحية، وكانوا يقيمون في المدن العربية داخل الخط الأخضر ويعملون في قطاع البناء، إلا أن معظمهم اعتقل وتم ترحيله لاحقا.

ما زالت إسرائيل عدوا بالنسبة للشعب الأردني. ولعل الغضب الشعبي الذي وصل إلى مجلس النواب الأردني أخيرا، حيث تمت المطالبة أكثر من مرة بطرد السفير الإسرائيلي من الأردن، خاصة بعد اغتيال القاضي الأردني رائد زعيتر بداية العام الجاري، ورفض النواب الاستجابة للفئات الشعبية بوقف استيراد الغاز من إسرائيل، رغم أن البلاد تعيش "أزمة طاقة حقيقية"، هي أدلة واضحة على أن إسرائيل لا تحظى بقبول شعبي في الأردن، كما أن الذهاب إلى إسرائيل للعمل هناك، رغم إدراك الجميع في البلاد لصعوبة الوضع الاقتصادي، لا يزال "مرفوضا ومداناً".

لم يعد العمل في إسرائيل سراً، فقد ذهب المئات من الشباب الأردني بعد توقيع معاهدة السلام للعمل هناك، وما زال المئات منهم يذهبون من أجل تحسين وضعهم الاقتصادي، إلا أن العملية كانت دائماً مرتبطة بالرغبة الإسرائيلية، وكان الأردن الرسمي يغيب عن العملية بشكل تام، ولا يحاول اتخاذ، على الأقل، خطوات لتنظيم إرسال العمال، أو حتى ضمان حقهم في الحصول على ظروف عمل لائقة في إسرائيل، خاصة وهي المعروفة بسمعتها السيئة في التعامل مع العمالة الأجنبية.

دلالات

المساهمون