درعا ومحاصرة النظام السوري غذائيّاً... نقاش في الإيجابيات والسلبيات

درعا ومحاصرة النظام السوري غذائيّاً... نقاش في الإيجابيات والسلبيات

09 مايو 2014
يقدّم النظام تسهيلات للسائقين الذين ينقلون الخضار لدمشق (getty)
+ الخط -

يبيع مزارعو حوران، يومياً، عشرات الأطنان من الخضار الطازجة إلى دمشق، السوق شبه الوحيد المتبقي لتصريف محاصيلهم التي تزيد عن حاجة سكان المحافظة الجنوبية بنسبة كبيرة، لا بل قد تكفي لاستهلاك سورية كلها في أوقات محددة من السنة.

وتتصاعد دعوات في صفوف ناشطين معارضين بدرعا، حول ضرورة قطع المنتوج الزراعي عن دمشق المكتظة بالسكان، لأن ذلك، برأيهم، قد يسبّب تململاً في الحاضنة الشعبية للنظام و"لجانه الشعبية" والجيش النظامي والمقاتلين الأجانب الذين يحاربون معه، إذ سيواجه صعوبة في تأمين الغذاء لجميع لهؤلاء.
غير أن رأياً آخراً ينتشر بين المعارضين أيضاً، يرى أن سلبيات مثل هذه الخطوة ستتجاوز إيجابياتها، على اعتبار أن النظام سيجد بدائل غذائية، ولأن مزارعي درعا سيفقدون حينها السوق الوحيد المتبقّي لتصريف محاصيلهم، ولأن من شأن ذلك أن يقلّب "المتردّدين" وبعض المعارضين في دمشق حتى، ضد المعارضة السورية.

وينتج سهل حوران محاصيل الخضار في فصلي الشتاء والصيف، إذ يعتبر السهل مصدراً أساسياً لغذاء السوريين عموماً، كالبطاطا والبندورة والبقوليات، وقد يسبب وقف توريدها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في دمشق وضواحيها أزمة غذائية خانقة.

واعُتبر قديماً، أن سهل حوران هو السلة الغذائية للإمبراطورية الرومانية، والآن يعتبر مهندسون مختصون أن حوران قبل الثورة كانت السلة الغذائية لسورية ولبعض الدول العربية.

ضغط غذائي

وبحسب هؤلاء، فإن درعا قادرة على ممارسة ضغط غذائي على النظام في دمشق، خصوصاً إذا تزامن ذلك مع قطع الكهرباء، معتبرين أن قطع المنتجات الزراعية عن العاصمة، يشكل ورقة مهمة كان على المعارضة استخدامها للضغط على النظام لفك الحصار عن كل المناطق التي يمنع وصول المواد الغذائية إليها في عموم سورية، أو في ريف دمشق على أقل تقدير.

ويقول معارضون إن خطوة قطع مزروعات حوران عن جيش النظام، وما يعرف بـ"جيش الدفاع الوطني" و"اللجان الشعبية"، إضافة إلى الحاضنة الشعبية للنظام، قد تكون رداً مناسباً على منع النظام وصول أبسط الحاجات الأساسية لكثير من المناطق المحاصرة في ريف دمشق.

من درعا إلى مزة 86

على الرغم من ذلك، فإن معارضين لا يحبّذون استخدام أسلوب النظام في محاربة الناس بلقمتهم، لأن ذلك سيضر بالمدنيين الموجودين في المناطق التي يسيطر عليها النظام بالدرجة الأولى، وذلك يضر بالثورة على الصعيد الأخلاقي. لأن النظام قادر على تأمين الغذاء له وللموالين له بطرق أخرى، عبر الاستيراد من دول مجاورة، بحسب الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة دمشق، أحمد ناصير.

ويقول ناصير إن النظام يعي أهمية درعا كمحافظة زراعية، لذلك قدّم تسهيلات للسائقين الذين ينقلون الخضار إلى دمشق يومياً، كعدم تفتيش سياراتهم على الحواجز والسماح لهم بالعودة بحمولة من دمشق بأي مادة يريدونها، مقابل إفراغ السائق حمولته في منطقتي "عش الورور" أو "المزة 86"، وغيرهما من الأحياء الموالية للنظام، فيما تضيق الحواجز على السيارات التي تفرغ حمولتها في سوق الهال في دمشق، وهو ما جعل كثيراً من السائقين يجبرون على إفراغ حمولتهم في الأحياء الموالية.

ويقول المهندس الزراعي السابق في أحد فروع البحوث الزراعية، أبو النور تركماني، إن درعا تغذي دمشق وسوريا عموماً لمدة تسعة أشهر في السنة بشكل كامل من الخضار الأساسية، وما ينتج فيها سنوياً يكفي لإطعام ما لا يقل عن عشرة ملايين شخص، إضافة إلى سكان درعا نفسها ومحافظتي السويداء والقنيطرة.

ويرى التركماني أن الحصار الغذائي، إذا جرى فرضه على الحاضنة المؤيدة للنظام، سيدخلها في اختبار هو الأول من نوعه، لأن النظام استمال جزءاً كبيراً من مؤيديه بمساعدات الأمم المتحدة والهلال الأحمر التي تصل إلى عموم الشعب السوري، فيما كان ينحصر توزيعها في الأحياء والمدن الموالية.

وأشار إلى أن "الحصار الغذائي وسيلة ناجعة، فقد سقطت الكثير من القطع العسكرية التابعة للنظام بفعل نقص الطعام أو ساعدت على الأقل في تسهيل السيطرة عليها".

ويضيف المهندس الزراعي أن "النظام سيرد على قطع الخضار عنه بمنع دخول المواد الغذائية الأساسية لمحافظة درعا، وهو ما يستوجب تبني "الائتلاف المعارض" لهذه الفكرة، وتأمين أسواق بديلة للخضار السورية وإدخال المواد الأساسية عبر الحدود مع الأردن تجنباً لآثار قطع هذه المواد عن سكان درعا".

ويعتبر التركماني أن كل الأفكار مطروحة مع هذا النظام "الذي لم تبق وسيلة إلا استخدمها ضد الشعب، وهذا الأمر الذي دفع الثوار إلى التفكير بقطع الكهرباء ومن ثم الغذاء عن المناطق الواقعة تحت سيطرته"، في حلب وفي غيرها، "وهي وسيلة ناجحة مئة بالمئة، إذا ما تم تطبيقها، ولكنها تحتاج إلى تعاون كل فعاليات الثورة مع بعضها".

ويشير إلى أن "المستهدف من هذه العملية، إذا ما تمت، هم أكثر من مئة ألف جندي في الجيش النظامي والآلاف من اللجان الشعبية والمقاتلين الأجانب، وهؤلاء يحتاجون إلى الطعام بشكل يومي".

سوق بديلة

ويلفت التركماني إلى أن "قطع خضار درعا عن دمشق، سيتطلب إيجاد سوق أخرى لفلاحي درعا. وهذا الأمر يحتاج إلى دعم مادي أولي، ومن ثم يمكن التصدير عبر المعابر الحدودية التي تسيطر عليها المعارضة مع الأردن، إذا ما تم دعم الموضوع سياسياً من الائتلاف".

ويحذّر ناشط معارض، طلب عدم الكشف عن هويته، من أن النظام "قد يستطيع تأمين بديل عن الخضار القادمة من درعا، ولكن ليس بالوفرة نفسها، كما أن الاستيراد من دول مجاورة يرتب أعباء مادية إضافية على خزينته من العملة الصعبة، بينما يبيع مزارعو حوران محاصيلهم في دمشق بأبخس الأثمان".

التعاون مع التجار

ويرى الناشط نفسه أنه "علينا محاربة النظام غذائياً للتخلص من أعباء الارتباط به. ولاستكمال هذا الموضوع، نحن بحاجة لفتح علاقات مع الأردن لإنشاء منطقة تجارة على طرفي الحدود يستفيد منها الطرفان. فهذه المقاطعة قد تعادل في آثارها الحرب القتالية، ويمكن أن يسبب ذلك استياء وقلاقل في صفوف الحاضنة الشعبية للنظام ومقاتليه".

ويلفت الناشط إلى "ضرورة بناء منظومة اقتصادية في درعا لاستيعاب نتائج القطع مع النظام والتعامل مع الفائض اليومي لإنتاج حوران الزراعي يومياً، إما عن طريق استغلال معامل المواد الغذائية المعلبة أو تشجيع التجار على شراء المحاصيل وتخزينها في برادات، ومن ثم طرحها في السوق في وقت آخر من السنة، وبذلك يستفيد الفلاح والتاجر على حد سواء".