دخان يوسف زيدان

دخان يوسف زيدان

19 اغسطس 2016
+ الخط -
جاء الكاتب المصري، يوسف زيدان، إلى المغرب، وهو يحمل في حقيبة سفره أناته المتضخمة، ويحمل في عقله فكرة واحدة، مفادها بأنّه هو النجم وغيره مجرد كومبارس، جيء بهم ليؤسسوا المشهد الذي سيحضر فيه سيادته، والويل لمن سوّلت له نفسه أن يأخذ منه الأضواء، سواء بالاسترسال في الكلام أو منعه من ممارسةٍ شاذة، يأبى أيّ مراهق متنمر أن يمارسها بحضور ضيوف، فما بالك بالأحرى إن كان هو الضيف.
نسي زيدان أنه ضيف على المغاربة الذين أحسنوا وفادته، واستقبلوه أحسن استقبال، فرد التحية الحسنة بأخرى غير لائقة، وفي حضور ثلة من المبدعين والمثقفين والأدباء، أساء وتمادى. كان حضوره ملتقىً كبيراً في المغرب (المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية ثويزا) مناسبةً له لاستعراض عضلاته الفكرية، وليست عضلات لسانه البذيئة، كان الأجدر به أن يبيّن عن علو كعبه الأدبي والمعرفي، وهو يناقش موضوع الندوة "في الحاجة إلى التنوير". لكن، للأسف، اكتشف المتابع المغربي والعربي أن بعض من يسمون بأدباء ومفكرين، هم من يحتاج إلى تنوير قبل غيرهم.
في مشهد من السينما المصرية، لم يستسغ الكبير يوسف زيدان أن يقول له "أحد المذيعين المغمورين"، كما وصفه في تدوينة له، بأن يطفئ سيجارته في حضرة جمهور جاء ليسمع ما يقوله، وليس لرؤية انتفاخ أوداجه، وهي تنفث دخاناً على الحاضرين، في مشهدٍ يحيل على فتوة الحارة الذي يدخن أرجيلته بحضور صبيته.
ولأن زيدان، هو الآخر، من العينة (المتنوّرة جدا)، والتي كلّما خاطبها أحدهم، ووضعها أمام مرآة الحقيقة، انطلقت العبارة الشهيرة التي يردّدها أغلب المتنورين العرب، هل هذا من الدين؟ هل هذا حرام؟ وكان ذلك رده على ذلك "المذيع المغمور" الذي ظنّ السيد دخان أنّه ربما يكون هو الآخر من "الإخوان المسلمين". لذلك، كان الرد سريعاً وبليداً ومضحكاً حد البكاء، فكيف لأديب حائز على جوائز معتبرة، أن يسقط تلك السقطة المدوية، وعوض أن يعتذر بلباقة عن تلك الفعلة التي كان عليه أصلاً ألا يقترفها، يتمادى في همز ولمز "المذيع المغمور"، السيد ياسين عدنان، بأنه قال ذلك الكلام من منطلق ديني، مع أنّ القانون يمنع التدخين في الأماكن العمومية، والأدب يمنعه في حضور الضيوف، وعوض أن يخرج السيد دخان على جمهوره ومتتبعيه بتدوينة يشكر فيها المغاربة على كرم الضيافة، ويحاول أن يخفي رائحة دخانه في المهرجان، خرج عليهم يصف أحد أدبائهم وشعرائهم المعروفين بأنه مذيع مغمور، لأنه خاطبه وبكل أدب بأن يطفئ سيجارته.
السيد دخان، وهذه زلة أخرى من زلاته، عندما حضر لهذا المهرجان لم يكن يعرف الذين كانوا يجالسونه، ولم يكلف نفسه البحث أو السؤال عنهم، فكلّ ما يعرفه أنّ السيد الذي خاطبه، وطلب منه بكل أدب أن يمتنع عن التدخين مجرد مذيع مغمور، ولم يدر في باله أن ذلك الشاب أديب وشاعر تشفع له مؤلفاته، بأن يأخذ مكاناً معتبراً بين أدباء المغرب وشعرائهم. أعماله تشهد له بذلك.
عدنان ياسين من خيرة شباب هذا المغرب الذي استضافك، وفتح لك ذراعيه لتحضر لك تلك الحشود الغفيرة التي ذكرت، هو شاب امتنع، إلى حد الساعة، عن الرد عليك لعدّة اعتبارات يعرفها هو.
نحن في حاجة إلى مثقفين كبار متنوّرين فعلاً، بأفكارهم التقدمية التي تدفع بشعوبها إلى الأمام، ولسنا بحاجة إلى أشباه مثقفين يبرعون في السخرية الفارغة، فتلك وظيفة يقوم بها آخرون، لا نحتاج لأدباء مثل السيجارة، تثير دخاناً كثيرة، لكنها في النهاية تبقى سيجارة ومضرة.
2D490069-E953-4BA4-A066-85F79C569506
2D490069-E953-4BA4-A066-85F79C569506
يونس كحال (المغرب)
يونس كحال (المغرب)