داعش وسيلة أم ذريعة؟

داعش وسيلة أم ذريعة؟

14 سبتمبر 2014

اجتماع تحالف الحرب على الإرهاب في جدة (11سبتمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

انطلقت ثورات الربيع العربي من تونس، واجتاحت كلاً من مصر وليبيا واليمن وسورية، في غفلة عن عيون الرقابة الأمنية الثاقبة، والقبضة الحديدية الماحقة للأنظمة القهرية، ما أصاب هذه الأنظمة بالصدمة والانهيار، وأصاب الغرب الذي صنعها وحماها، على امتداد هذه السنين بالذهول والإنبهار، فلم تكن الأنظمة العربية مستعدةً، أو متوقعة مثل هذه المواجهة مع شعوب ثائرةٍ، نُزع الخوف والخنوع من صدورها، وأعلنت إصرارها وتصميمها على انتزاع حريتها وحقوقها وكرامتها المهدورة منذ عقود طويلة. ولم يكن ممكناً مواجهة ثورات الربيع العربي بشكل مباشر من الغرب الذي فقد نفوذه وأتباعه وعملاءه بسقوط تلك الأنظمة، لأن مواجهة الثورات سوف تصطدم مع إرادة الشعوب وشرعية الثورة، وتتعارض مع ما يُسمى قيم المجتمعات الغربية من حرية وديمقراطية وحقوق إنسان، ومع مبادئ القانون الدولي والمواثيق الدولية.

وعندما سارعت وزيرة الدفاع الفرنسية بعرض خدماتها ومساعدتها على الرئيس زين العابدين بن علي، لقمع الثورة التونسية، كان ذلك زلة لسان وموقفاً متسرعاً وخطأً تكتيكياً، دفعت ثمنه بتقديم استقالتها، لرفع الحرج ودرء التهمة، وإخفاء النوايا الكامنة لدى الحكومة الفرنسية، ومن ورائها الغرب أجمع، من الثورات العربية التي تهدف إلى تحرير الشعوب من الاستبداد والتبعية.

اضطرت الدول الغربية إلى إحناء الرأس أمام هذه العاصفة العاتية التي أطاحت أنظمة وأرعبت أُخرى، ثم بدأ التخطيط والتأمر المتأني والمشترك بين الغرب والنظام الرسمي العربي، لإجهاض الثورات العربية التى انتصرت من جهة، والحيلولة دون امتدادها إلى باقي الدول العربية من جهة أُخرى، وكانت الساحتان السورية والعراقية مكاناً كاشفاً فاضحاً لنوايا الغرب حيال العرب والإسلام والثورات العربية، إذ تُركت الثورة السورية في مواجهة النظام السوري وحلفائه، إيران وروسيا وحزب الله اللبناني، ومُنع عنها السلاح والدعم المادي، بحجة الخوف من وقوع الأسلحة في أيدي المنظمات الإرهابية، ويا له من عذر أقبح من ذنب، حال دون انتصار الثورة السورية وانهيار نظام الأسد، خدمة لإسرائيل وبقايا النظام الرسمي العربي، وأدى، على امتداد أربع سنوات من الثورة المتواصلة، إلى مقتل أكثر من  مائتي ألف من المدنيين السورين، وتهجير ما يزيد على عشرة ملايين سوري في الداخل والخارج، وتدمير مدن وقرى سورية عديدة. وقد ارتكب نظام الأسد في هذه الأثناء، وعلى مرأى من العالم أجمع، جرائم الحرب والإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، مستعملاً جميع أنواع الأسلحة ضد شعبه، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والبراميل المفخخة، وما زال العالم الغربي المتمدن متحفظاً على تسليح المقاومة السورية بذرائع سخيفة، في انتظار إبادة الشعب السوري، أو هجرته، أو استسلامه لنظام القهر والاستبداد.

وفي العراق، انحاز التحالف الغربي الذي كان قد دمر العراق، ومزقه شيعاً وأحزاباً، إلى نوري المالكي، المتحالف مع إيران ونظام الأسد وحزب الله في حربه الطائفية العنصرية البغيضة ضد أهل السنة، المطالبين بحقوقهم المشروعة في المواطنة في مجالاتها المختلفة من سياسية واجتماعية واقتصادية ... إلخ.

وعلى الرغم من المراوغة والنفاق وازدواج المعايير التي تتميز بها السياسة الميكيافيلية الغربية، فإنها درجت، دوماً، على إيجاد الذرائع والمبررات، لتحقيق غاياتها بشتى الوسائل، من خلال حشد الدعم والمساندة من الرأي العام الغربي، وقبول المجتمع الدولي ومباركته، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها تدمير أفغانستان، والقضاء على دولة طالبان، بذريعة محاربة الإرهاب بعد أحداث "11 سبتمبر" التي ما زال يحيطها غموضٌ كثير، ومنها غزو العراق وتدميره، بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل، ثبت أنها كانت مجرد ذريعة وتهمة ملفقة.

واليوم ها هي داعش، وبما تقترفه من جرائم بشعة وآثام منكرة، أو ما يلصق بها من اتهامات، تعطي مبرراً قوياً لقيام تحالف غربي عربي ودولي، ليس فقط لمحاربة داعش وأخواتها بحجة محاربة الإرهاب، بل لتشويه الإسلام وشيطنته، وإجهاض ثورات الشعوب العربية ضد أنظمة القهر والاستبداد. وسواء كانت داعش تنظيماً مستقلاً أو مأجوراً، فقد نجحت، عن جهل أو عن قصد، في إحداث أضرار مادية ومعنوية جسيمة في كيان الأمة العربية والإسلامية، وقدمت خدمات كبيرة لأعداء الأمة، وأساءت إساءة بالغة لقيم الإسلام وأخلاقه ومبادئه، وسفّهت مفهوم الخلافة المقدس، ورفعت عن كاهل المجتمع الدولي، وخصوصاً الدول الغربية، عبء الالتزام والمسؤولية في دعم ومساعدة الثورتين، السورية والعراقية، وغيرهما من الثورات العربية، المطالبة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بل أعطت لتحالفٍ دولي أخذ يتشكل المبررات القوية للعمل على إجهاض الثورات العربية، بحجة مكافحة الإرهاب الداعشي. وأعطت، أيضاً، لوزراء الخارجية العرب مناسبة للاتفاق على اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، والتعاون مع الجهود الدولية والإقليمية والمحلية، لمحاربة الجماعات المتشددة، والخشية أن ينسحب هذا إلى محاربة كل حراك شعبي ثوري، يسعى إلى إسقاط ما تبقى من النظام الرسمي العربي. كما أنه يخشى أن يعني إعلان تأييد وزراء الخارجية العرب قرار مجلس الأمن رقم 2170، الصادر، الشهر الماضي، والذي يطالب الدول الأعضاء بالتحرك لوقف الدعم اللوجستي والعسكري والمالي للمتطرفين في العراق وسورية، محاصرة الثوار الحقيقيين في سورية والعراق، وتجفيف منابع الدعم والمساعدة والتمويل لهم.

وعندما يعلن مجلس وزراء الخارجية العرب عن إدانة أعمال الإرهاب التى تهدف إلى زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وتقويض كيانات بعض الدول العربية وتهديد أمنها وسلامة أراضيها وترويع الآمنين، والعبث بممتلكاتهم، وتعطيل مصالحهم، فهو يعني، بوضوح، أن الممارسات الداعشية أعطت الذرائع والمبررات الكافية للنظام الرسمي العربي، لمواجهة الثورات العربية، واتخاذ ما يلزم من تدابير لمواجهة "الهجمات الإرهابية "، والتصدي لها، ولكل من يقف وراءها. ولنا أن نتصور حجم المواجهة وميدانها، عندما نعلم أنه ليس هناك توصيف واضح، أو تعريف محدد، للإرهاب على المستوى الدولي. ولهذا السبب، لم يتمكن المجتمع الدولي من وضع اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب، على امتداد أكثر من أربعة عقود، وبقيت الجريمة خاضعة في توصيفها للأغراض والأهواء والمصالح السياسية.

وعندما يكتفي مجلس وزراء الخارجية العرب بإدانة داعش كتنظيم إرهابي، وإعلان الحرب عليه، من خلال تحالف دولي مريب، دون أن يقدم للأٌمة بياناً واضحاً مفصلاً حول حقيقة داعش وأهدافها وأصلها وأسماء قادتها ومصادر تمويلها والدول أو الجهات التي تدعمها، فإننا نتخوف من أن تكون داعش كأسلحة الدمار الشامل الملفقة في العراق، ذريعة لخدمة أغراض حملات وتحالفات متواصلة في حربٍ لا تنتهي ضد هذه الأُمة، لإبقائها رهينة الضعف والتشرذم والتبعية.

0611C97F-76D6-4A5A-ACEF-D56832F43424
سالم قواطين

كاتب ودبلوماسي ليبي سابق، سفير جامعة الدول العربية في ألمانيا سابقاً