دائرة الطباشير الدمشقية: بريخت موالياً

دائرة الطباشير الدمشقية: بريخت موالياً

10 يناير 2015
+ الخط -

يترك الممثل والمخرج السوري أيمن زيدان المسرح الأرسطي لينتقي النموذج الملحمي، ويقدم من خلاله أجوبته عن الآن وهنا. التغريب، كسر الإيهام، الأقنعة؛ عناصر بريختية سعى إليها عرض زيدان الذي يقدّم حالياً على خشبة "مسرح الحمراء" في دمشق، "دائرة الطباشير القوقازية"، عن نص بالعنوان نفسه لبرتولد بريخت.

يفتتح الراوي (عروة العربي) العرض بإعلانه للجمهور ما سيعرض على الخشبة، كاسراً أي حالة إيهام قد تنشأ في البداية عند المشاهد، مدللاً على التزام المخرج بالتعاليم البريختية في كسر إيهام المتلقي. يدخل الممثلون من الخلف. يحطمون المسافة بين حيز الجمهور والعرض، ويعلنون بدء المسرحية، مرتدين أقنعة ترتفع فوق رؤوسهم. كل ذلك يجري على خلفية شاشة إسقاط على الخشبة الفارغة، تنقل صوراً من حروب قديمة وحديثة.

لا يتوقّف الممثلون عن كسر إيهام الجمهور في مشاهدتهم لحكاية المسرحية التي تحاكي قصة جروشا (تجسد الشخصية ولاء العزام)، الفتاة الريفية البسيطة التي حملت على عاتقها تربية ابن الملك الفار. يعود الملك (مغيث صقر) والملكة (لوريس قزق)، بعد سنوات، يطالبان بابنهما.

تخضع جروشا للمحاكمة. ويقترح عليها القاضي (محمد حداقي) لعبة يقضي بها في من له الحق في الطفل، فيقوم برسم دائرة طباشير على الأرض ويطلب من الأمّين، جروشا التي ربّت، والملكة التي أنجبت، أن تسحبا الطفل كل واحدة إلى جهتها. تربح جروشا القضية، وتذهب بابنها الذي حافظت عليه رغم كل الاضطرابات التي مرت بها البلاد على امتداد المسرحية.

تحتوي مسرحية بريخت هذه على نقاط فكرية وسياسية غنية غاب جلها عن مخرج العرض، الذي اقتصر في طرحه للنص على تقديم أفكار لم يتوقف النظام السوري عن تمريرها في الفنون. أفكار "تدعو" إلى إنهاء الحرب بأي ثمن. هنا، أتى القالب الكوميدي كـ "متنفس للجماهير" مناسب للسطح الأول الذي يلعب عليه المخرج زيدان في عرضه. التهريج والكلام العامي هما عكازتا الكوميديا في العرض.

الأداء بكليته انتهج الخطابة حتى تحول العمل في بعض المواقع إلى صراخ وفوضى غير منظمة على الخشبة، حيث خلط الممثلون بين الأداء البريختي القائم على التغريب والابتعاد عن معايشة الدور وبين المبالغة الفجة في الأداء.

كسر زيدان حيّز العرض من خلال استخدام ممرات المشاهدين، لكن ذلك جاء من دون مبرر درامي. أمّا الأقنعة، فقد كانت أقرب إلى إكسسوارات لم تستخدم، كما كانت الخشبة فارغة، إذ تمّ صنع الديكور أمام الجمهور. ظلّت عناصر التغريب البريختي هذه في مسرحية "دائرة الطباشير القوقازية" على السطح. وفشلت في تحقيق مهمتها في تحريض المتلقي، والإبقاء على وعيه في سبيل محاكمة ما يراه على الخشبة، ومردّ ذلك التفات زيدان لعناصر العرض البريختي لمجاراة الشكل وحسب من دون تقديم مضمون قيّم يحاكي الواقع السوري الزاخر بالأحداث.

دلالات

المساهمون