خطّة تهويد عكا بحجّة "تطويرها": قصّة أُمّ أحمد نموذجاً

خطّة تهويد عكا بحجّة "تطويرها": قصّة أُمّ أحمد نموذجاً

14 ابريل 2014
منزل أم أحمد المهدد بالإزالة (العربي الجديد)
+ الخط -

توافد المحتجون والمتضامنون، قبل يومين، إلى منزل الحاجة سلوى زيدان، "أم أحمد"، في عكا، للوقوف إلى جانب السيدة الفلسطينية التي تقف في وجه مخطط رسمي لهدم منزلها وتهجيرها عن موطنها، في إطار خطة التطهير العرقي "الهادئة" الجارية في مدن فلسطين التاريخية، لإفراغها من أهلها. يأتي التهجير، هذه المرة، تحت حجة عدم سلامة البيت، و"تطوير عكا". فقد تسلّمت السيدة سلوى زيدان كتاباً رسمياً من شركة "تطوير عكا"، يأمرها بإخلاء البيت وهدمه.

استقطب صمود الحاجة أم زيدان، اهتمام الداخل الفلسطيني، فحضرت الوفود المتضامنة إليها بتنظيم من الحراك الفلسطيني الشعبي لحركة "فلسطينيات"، إلى عكا. الطريق إلى بيت الحاجة أم أحمد مزيّن بالأعلام الفلسطينية والتفاصيل الصغيرة على جانبَي الدرج الصاعد إلى البيت، تحكي كل الحكاية. شجرة ليمون، ودالية عنب زرعها الزوج قبل 47 عاماً، أحواض نعناع وزهور مختلفة.

أثمر الاستقطاب لغاية اليوم، عدا عن التعاطف والتضامن، إقامة شعائر صلاة الجمعة في جامع البرج الذي أغلقته إسرائيل منذ النكبة، ومنعت إقامة الصلاة فيه.

تعيش الحاجة سلوى زيدان، وهي من مواليد حي الخان في عكا عام 1948، في منزلها القائم في شارع صلاح الدين 14، منذ تزوجت، وهي ابنة 18 ربيعاً. توفي زوجها، وظلت تعيش في منزلها المهدَّد بالهدم والاخلاء.

يقوم بيت الحاجة زيدان في حي البرج بعكا القديمة، قرب سينما البستان سابقاً. هو حارة معلّقة ترتفع 10 أمتار عن سطح البحر. ويقع بيتها على السور، إلى جانب مدخل البوابة الشرقية للمدينة ليطل على شاطئ البحر، "شط العرب"، وفق تسمية أهالي عكا وفلسطين.

تسرد الحاجة زيدان في بيتها، لـ"العربي الجديد"، قصتها ونضالها أمام المحاكم. معركة بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، وانتهت برسالة تلقتها مطلع الشهر الحالي، تطالبها بإخلاء بيتها بين 24 أبريل/ نيسان و18 مايو/ أيار. قصة الحاجة زيدان تحمل أسماء أهل البلاد في عكا وتواريخهم قبل النكبة: "اشترينا البيت من السيد ميشال وهبة في سنة 1967، ودفعنا له حينها مبلغ 600 ليرة، وكان يملك نصف المنزل قبل أن يهاجر الى كندا، أما النصف الآخر من البيت، فهو تابع للوقف الإسلامي في عكا، وكنا قد دفعنا مبلغ مئة ليرة لمدة تسعة شهور".

وتضيف: "نحن لا نملك أوراقاً تثبت ملكيتنا للبيت. كان المرحوم زوجي قد وضع المستندات في مكتبة جمعية أمناء الوقف الإسلامي في عكا. ونشب حريق في منتصف سنوات الثمانينات في مكتبة أمناء الوقف، وأتى على المستندات والوثائق المودعة فيها، فلم يبقَ لنا أي مستند يثبت حقّنا. فحتى قسيمة الشراء من السيد وهبة كنا وضعناها هناك أيضاً".

أنجبت الحاجة عشرة أولاد في هذا البيت. يبلغ ابنها البكر أحمد، 47 عاماً، ولديها ثلاثة أبناء وسبع بنات. تعيش معها في المنزل ابنة مريضة تعاني من الشلل، وابنان آخران، ولديها 30 حفيداً يعيش غالبيتهم في عكا.

وفي العام 1991، وبنتيجة لعاصفة قوية في الشتاء، وقع سقف المنزل. وعندما قاموا بإعادة بنائه من المعدن (الزينكو)، بدأت متاعبهم مع "شركة تطوير عكا". أخذت الشركة تلاحق العائلة، طمعاً في المنزل، وتختلق الأعذار والحجج للاستيلاء على البيت.

تدرك الحاجة أم أحمد أهمية بيتها في المنطقة المحددة التي يقوم عليها في حي البرج، وتقول إن شركة "تطوير عكا" تريد "إخلاءنا لبناء مشاريع سياحية". تتكرر هنا حكاية يافا واللد والرملة ومدن التاريخ الفلسطيني، بعدما مسختها إسرائيل وجعلتها "مدناً مختلطة". "تعايُشٌ" وهميّ مبنيّ على التطوير السياحي والاقتصادي لليهود، وتطهيرٌ عرقيّ وخنقٌ اقتصاديٌ ممنهج بحق العرب. تقول أم أحمد إن عكا مهمة مثل القدس، فهي بلدة أثرية وتاريخية، و"يقوم اليهود باستغلال الاوضاع الاقتصادية الصعبة لأصحاب البيوت العرب، ويشترونها بمبالغ طائلة".

بدأ صراع العائلة مع "شركة تطوير عكا" في سبعينيات القرن الماضي. وتقول أم أحمد إنه "في حينها، كان زوجي يعرف كيف يدافع عن نفسه أمام المحاكم، والمرة الأولى الذي تلقّيت فيها أمراً بإخلاء البيت، كانت في منتصف سنوات السبعين وتم إلغاؤه. ولكن بعد وفاة زوجي عام 1991، وكّلتُ محامياً لمتابعة الملف أمام المحاكم".

في الأسبوع الماضي، مع بدء حملة التضامن مع الحاجة أم أحمد، وصلت أيضاً رسائل المؤسسة إلى أم أحمد، وتفيد بألا تثير بلبلة حول القضية. جاءتها شرطة عكا، يوم الخميس، مرتين، محاولة إرهابها وإنذارها بأنها ستتحمل المسؤولية عن كل ما سيحدث، وعن كل تبعات نشاطات التضامن. قالوا لي إن "أمر الاخلاء من المحكمة واضح، فلماذا تجنّدين الناس معك؟".

وتختم أم أحمد كلامها بالقول: "لا أريد الخروج من هنا. أنا لا أعرف غير هذا البيت. هنا الحياة أجمل. هنا أنجبت أولادي. هنا جيراني وعائلتي الموسّعة، فكيف لي بعد هذا العمر أن أرحل؟".

200 بيت فلسطيني تحت "نيشان" الهدم

لكن أهالي عكا يعرفون أن طرد الحاجة أم أحمد من بيتها، يعني بدء حملة تطهير عرقي جديدة، ستطالهم جميعاً، وإنْ كان تدريجياً. وفي هذا السياق، يؤكد منشور، وزعته مجموعة "فلسطينيات" في عكا، على ضرورة التصدي لأمر إخلاء منزل آل زيدان، باعتباره جزءاً من المقاومة الأوسع والممتدة لسنوات عديدة ضد مخطط تهويد عكا، وتهجير العكيين والعكيات. ودعا البيان إلى ضرورة الالتفاف حول الحاجة أم أحمد وقضيتها العكية، لإسقاط أمر الإخلاء، بهدف حماية عكا وبيوتها، ووضع حد للتهجير الفعلي والمباشر لعرب عكا.

ويقول الناشط في مجموعة "فلسطينيات"، المحامي جهاد أبو ريا، إنهم "إذا نجحوا في إخلاء أول منزل، سوف يستمرون بمسلسل التهجير. يجب وقف التطهير في هذه المرحلة، من هنا تأتي أهمية النشاط الأول في بيت الحاجة زيدان، والأمر خطير جداً لأن هناك 200 أمر إخلاء مجمدة لبيوت أخرى في عكا".

المساهمون