خالد الزير... نموذج لمعركة صمود مقدسي بذكرى يوم الأرض

خالد الزير... نموذج لمعركة صمود مقدسي بذكرى يوم الأرض

30 مارس 2016
هدم الاحتلال منزل الزير عشية يوم الأرض (العربي الجديد)
+ الخط -
كمثيلاتها من عمليات الهدم والتجريف الجارية، استيقظ أطفال المواطن المقدسي خالد الزير، من بلدة سلوان جنوب البلدة القديمة من القدس المحتلة، والمتاخمة للمسجد الأقصى، في ساعة مبكرة من صباح أمس الثلاثاء، على هدير جرافات الاحتلال الإسرائيلي وآلياته العسكرية التي طوّقت بعشرات الجنود مسكناً من الصفيح والطوب، وملعباً حوّله الزير إلى ساحة لأطفاله وأولاد الحي المحرومين من وسائل الترفيه. لكن اللافت هذه المرّة، مصادفة حضور طواقم الهدم التابعة لبلدية الاحتلال عشية إحياء الذكرى الـ40 ليوم الأرض، اليوم الأربعاء. يخوض الزير منذ نحو عشر سنوات صراعاً يومياً على ما تبقى من أرضه.

يؤكّد خالد الزير لـ"العربي الجديد" أن ما جرى، أمس، واحدة من معارك يخوضها للدفاع عن أرضه ومسكنه ومأوى أطفاله، وحقهم في الحياة والإقامة في مدينة القدس، قائلاً: "هم يهدمون ونحن نبني. لن يزحزحنا أحد من هذه الأرض". كانت قوات الاحتلال هذه المرة أكثر توحشاً، فيما كانت الجرافات تغرس أنيابها في الخيام وألعاب الأطفال، وتضرب بعنف أسواراً من الإسمنت والأسلاك الشائكة على مرأى من الزير وأطفاله، الذي حاول عبثاً وقف تغوّل آلياتهم وعناصرهم لكن من دون جدوى.

باتت سلوان بما تبقى من أراضيها، وكهوفها، وملاعبها بيتاً لخالد ووطنه الصغير، إذ كلما هدموا خيمة أو مسكناً من صفيح وطوب، أو جرفوا أرضاً أقام في عرائها الزير، انتقل إلى مكان آخر. لم يوطن عائلته في مكان إلّا وحوّلت سلطات الاحتلال المسكن الجديد إلى ردم، وتتحول معه أرضه لخراب.

هدمت، قبل خمس سنوات، قوات الاحتلال منزل عائلة الزير في العباسية بسلوان، فانتقل بأطفاله إلى كهف قديم في البلدة ذاتها. يقول الزير، "حتى المغارة التي سكنتها لم تسلم منهم. أخرجونا منها بالقوة بحجة أنها كهف أثري. واتهموني بتخريب الآثار وبالاعتداء على الآثار فيها. خربوا كل محتوياتنا ودمروها. وفي كل مرة كانوا يعتقلونني، فضلاً عن مخالفات البلدية والضرائب".

بالنسبة للزير، هو يجسد صمود أهالي البلدة في ذكرى يوم الأرض، ولا يكاد يمر عام إلّا وله مع الاحتلال ومستوطنيه حكاية من المواجهة والصمود والثبات. كانت ذروة هذه المواجهات عام 2013، حين هدموا مسكنه، قبل أن ينتقل للعيش في مغارة، وحينها لاحقته سلطة الطبيعة بدعوى وجود آثار يهودية فيها. انتقل الزير بمعركته إلى أروقة المحاكم الإسرائيلية، وأمر قاضي محكمة الصلح الإسرائيلية آنذاك الزير بوقف أعمال الترميم في الكهف، على الرغم من أنه لم يفعل شيئاً سوى لجوئه للكهف وتهيئته لإقامة أطفاله الخمسة. وكان رد الشكوى ضده من قبل سلطة الطبيعة والآثار الإسرائيلية، والتي اتهمته بتغيير معالم أثرية في الكهف المذكور، وطالبته بالخروج من الأرض حفاظاً على "المعالم الأثرية الموجودة فيها".

اقرأ أيضاً قصة يوم الأرض: التأسيس الجديد للوطنية الفلسطينية

ما يؤكده الزير، وما قاله في المحكمة أنّ "الأرض والمغارة القائمة عليها تعود لعائلة الزير. جدي وُلد فيها، ونعيش فيها منذ مئات السنين"، نافياً ادعاءات سلطة الآثار بوجود معالم أثرية بالمنطقة، ومشيراً إلى أنّه لم يُغير معالم الكهف، بل أجرى ترميمات بسيطة داخله، بعد تساقط الحجارة والأتربة على أفراد عائلته. وقال الزير للقاضي الإسرائيلي، إنّه "اضطر للعيش في المغارة مع أسرته بعد هدم منزله. لكن بعد العاصفة الثلجية التي ضربت البلاد عام 2013، انتقل إلى المغارة لوحده خوفاً على عائلته، فيما انتقل أطفاله للعيش عند جدّهم وأعمامهم، إذ لا مأوى آخر لهم". قبل أن ينسحبوا من أرض الملعب، أمس، وقد تركوا خلفهم خراباً ودماراً كبيرين، وجّه جنود الاحتلال التحذير مجدداً للزير ولعائلة سمرين المجاورة للملعب، والتي طاول الهدم بعض منشآت تعود للعائلة، واعتدوا على أحد أفراد العائلة، في وقت انهمك فيه الزير بجمع ما أمكنه من ألعاب الأطفال.

وليس بعيداً عن حيَّي الزير والعباسية حيث يقيم خالد، يتدفق المستوطنون إلى البؤر الاستيطانية في البلدة، بينما تنشط جمعية "إلعاد" الاستيطانية في التحضير لبناء أكبر تجمع استيطاني على مدخل البلدة في وادي حلوة، بعد المصادقة عليه وبصورة مستعجلة من قبل المجلس القطري للبناء والتنظيم الإسرائيلي.

ويقول مدير مركز معلومات وادي حلوة المختص بالشأن المقدسي، جواد صيام، لـ"العربي الجديد"، إن "ما جرى مع الزير امتداد لمعارك مستمرة من الدفاع عن الأرض يخوضها أهالي بلدة سلوان. وما حدث اليوم كان مروعاً. استهدفوا في عدوانهم هذه المرة، أرضاً تعود للزير، كان قد حوّلها قبل أشهر عدة لملعب للأطفال. لقد أزالوا كل شيء في الملعب، وقبل أن يغادروا جرفوا الأرض، واقتلعوا الأشجار منها حتى لا تصلح للاستخدام بعد ذلك، إلا لحديقة استيطانية يخططون لإقامتها امتداداً لأكثر من 40 بؤرة استيطانية، بينما تتخذ جمعية ألعاد الاستيطانية مقراً ضخماً لها على مدخل وادي حلوة"، وفقاً لصيام.

في سلوان، بحسب صيام، "يخوض أهالي البلدة هذا العام معارك تتسم بعنف يمارسه الاحتلال ضد الأهالي، وتوحّش جمعيات الاستيطان التي تحاول الاستيلاء والسيطرة على مزيد من العقارات، بينما تتغوّل سلطة الآثار والطبيعة الإسرائيلية في السيطرة على أراض وزرع قبور يهودية وهميّة فيها". لكن ما يجري في هذه البلدة بالنسبة لأهلها، كما يقول الزير وصيام، إنّها "معركة بقاء وصمود عنوانها الأرض والدفاع عنها"، لأن الدفاع عن سلوان وما تبقى من أراضيها دفاع عن البلدة القديمة وعن مقدساتها جميعها، وفي مقدمتها المسجد الأقصى. لذلك، فإنّ يوم الأرض هذا العام مختلف تماماً بالنسبة لأهالي البلدة الذين يواجهون الجرافات بصدورهم العارية"، على حدّ تعبيرهما.

اقرأ أيضاً: أما آن الوقت لإصدار "ميثاق الأرض الفلسطيني"؟