حي الكرادة... معقل المدنيين في بغداد

حي الكرادة... معقل المدنيين في بغداد

09 يوليو 2016
يعرف سكان الحي الأصليون بالبعد عن الطائفية (حيدر هادي/الأناضول)
+ الخط -

على مدى الـ 13 عاماً الماضية، كانت أغلب حركات الاحتجاج والتظاهرات ضد فساد وفشل الحكومات في عراق ما بعد الاحتلال تنساب بهدوء من بين أزقة وشوارع حي الكرادة الغافي على كتف شارع الشاعر العباسي أبو نؤاس على نهر دجلة، فهو معقل التيار المدني العراقي المستقبل المناهض للأحزاب الدينية والداعي لدولة مدنية، ما دفع الحكومات الخمس المتعاقبة على حكم البلاد الى إيلاء الحي البغدادي أهمية بالغة بسبب قربه من المنطقة الخضراء، حيث لا يفصل بينهما سوى دجلة.
وبسبب وجود التيار المدني المناهض لأسلوب إدارة الدولة وانتشار الفساد وارتفاع معدلات الفقر والأمية، خرجت من الحي أول مظاهرة في العاصمة ضد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التي حملت عنوان "بغداد لن تكون قندهار"، بعد قيام المالكي باتخاذ قرارات تضيق على الحريات المدنية والإعلامية وإغلاق عدد من النوادي الليلة ومحال بيع الخمور، وتمت بعدها تصفية عدد من رموز التيار المدني أبرزهم الإعلامي والمسرحي الراحل هادي المهدي.
وتعرض الحي عقب الاحتلال الأميركي للبلاد إلى عمليات تهجير واسعة لسكانه ومعظمهم من العراقيين المسيحيين نفذتها مليشيات راديكالية، ما ساهم في تغيير التركيبة السكانية للحي بشكل كبير. كما ساهمت القوات الأميركية بهذا التغيير عندما أخلت جزءاً من المنازل والشقق السكنية وضمتها الى حدود المنطقة الخضراء وأسكنت فيها كبار السياسيين العراقيين الذين قدموا معها مع احتلال البلاد.
وعرف الحي بأنه مقر للمثقفين والأدباء والناشطين المدنيين، وفيه يتركز نحو 90 % من مسارح بغداد ودور السينما ومعارض الفنون ومكاتب المؤسسات الصحافية المحلية والأجنبية والعربية، ولم يكن (حتى احتلال العراق) مركز جذب لأي نشاط ديني أو طائفي. وعلى الرغم من افتتاح أحزاب دينية وفصائل لمليشيات مسلحة مقرات لها ولقادتها فيه، إلا أن الحي ما زال يكافح للحفاظ على هويته التاريخية وطابعه المدني.
ويعرف سكان الحي الأصليون بالتسامح والمدنية والبعد عن الطائفية التي اجتاحت البلاد عقب 2003. وسجل أبناء الحي الخميس الماضي موقفاً لافتاً، حين قاموا بطرد أوس الخفاجي، زعيم مليشيا أبو الفضل العباس التي تقاتل في سورية إلى جانب نظام الأسد وفي العراق إلى جانب القوات الحكومية، عندما توعد بكلمات طائفية رداً على الاعتداء الإرهابي الذي أوقع أكثر من 500 شخص من أبناء الحي بين قتيل وجريح.
وتقسم الكرادة إلى الكرادة الشرقية وكرادة مريم على جانبي نهر دجلة. وابتلعت المنطقة الخضراء كرادة مريم لتبقى الكرادة الشرقية هي المركز السكاني والتجاري والحضاري الأبرز في العاصمة.
وسبب تسمية الكرادة فيه عدة روايات، الأولى أنها من كلمة عثمانية "كردة" وتعني الساحل أو الجرف، والسبب الثاني أنها منسوبه لمركز تجمع آلات سقي المزروعات "الكردة" وجمعها الكرود ويعمل عليها أشخاص يطلق عليهم الكرادة.
وحتى العام 2003 كان الحي "مسيحياً" بشكل شبه كامل وفيه أشهر وأقدم كنائس بغداد مثل كنيسة مريم العذراء وكنيسة سيدة النجاة وكنيسة الأرمن وكنيسة الأرثوذكس. غير أن رفض أغلب مسيحيي العراق أن يكونوا ضمن الواجهة السياسية بعد الاحتلال الأميركي وصدور دعوات ترفض التعامل مع الاحتلال، فضلاً عن ضعف القانون والدولة وعيون المليشيات والزعامات الطائفية التي ترنو إلى الحي الأهم بالعاصمة، إضافة إلى العمليات الإرهابية المتكررة في الحي دفع آلافا منهم إلى مغادرة الحي، وخاصة أن غالبيتهم من ميسوري الحال.
وظهر لاحقاً في الحي مصطلح "عوائل الحواسم"، وهي العوائل التي جاءت من قرى ومدن جنوب العراق وشرقي بغداد وسكنت في الحي عقب الاحتلال، ويمكن تمييزهم من لهجتهم وطريقة تعاملهم التي تختلف عن سكان الحي الأصليين بسهولة.
كذلك ظهر مصطلح "الزواحف"، وهم الذين سكنوا في منازل أعضاء النظام العراقي السابق وصادروها للسكن أو لفتح مقرات أحزاب ومكاتب للمليشيات أو افتتاح حسينيات ومراكز دينية ويتركز غالبيتهم في شارعي أبو نؤاس وشارع 52 من حي الكرادة.
وتقول رشا بطرس (43 عاماً) لـ"العربي الجديد" إن "الحي ما زال بخير فهو الآن مختلط لكن الخوف من أن تجلب نيران داعش أقدام المليشيات الينا وتمسح ما تبقى من الجمال فيه". وتضيف: نريد أن نبقى ملاذ الخائفين المطرودين والنازحين والمهجرين من كل ألوان الشعب العراقي ولا نريد للحي أن يكون لفئة دون غيرنا فنحن نتمنى أن نبقى عراقاً مُصغراً".

المساهمون