حوار مع الذات

حوار مع الذات

10 يناير 2018
+ الخط -
هل كان هذا مقاله الأخير؟ هل حان الوقت ليقدم قلمه استقالته؟ هل هذه هي الهزيمة؟
تبادرت هذه الأسئلة إلى ذهنه الذي بدا مشتتا، مبعثرا، يرتجف قلمه بين تلك الأصابع التي ما فتئت تحتضنه تارة وأخرى تتركه. إنه يحاول الكتابة، شعوره بالخوف والقلق دفعه إلى النهوض من مضجعه في ساعة متأخرة من الليل، ليشفي جراح معاناة نفسية، بقلم اعتاد أن يكون ترياقه واكسير حياته.
لكنه فوجئ بأن بقاءه ساعات أمام دفتر أسراره الذي جمع فيه مزيجا من السعادة والحزن، من الألم والفرحة، لم يجد نفعا. لم يستطع أن يكتب شيئا على تلك الأوراق البيضاء التي مثلت له، في السابق، ساحة للتعبير، مجالا فسيحا يستقبل كلماته، مواقفه وأحاسيسه.
لم يتوقع يوما أن كلماته سوف تنضب، ليتوقف نزيف أفكاره، إنه يخشى أن تكون هذه النهاية، بأن يتخلى عن الكتابة، الأمر الذي دفع به إلى أن يحاور قلمه، إنه حوار بين ذاتٍ تعاني، وقلم ساخر للتدوين. لقد ارتبطت ماهيتهما بالكتابة. كل منهما يسعى إلى تجسيد جوهره من خلال تلك الكلمات التي تحفر على أوراق الإبداع.
قال، ما الذي دهاك يا قلم؟ هل جف حبرك؟ ألم تقطع وعدا بأن لا تتركني؟ ألم تعد بحاجة للكتابة؟ أرجوك أجبني.
لقد أراد وبشدة إجابة على تلك الإشكالات التي أثارها، الأمر الذي دفعه إلى أن يتخيل إجابة من قلم.
أجابه: الأمر يتوقف عليك، أنا مسخر للفكر، أنا جانبه العملي. جل ما أدونه هو رهين فكرك ورغبتك الجامحة للتدوين، فكرك وعزيمتك هما اللذان يجعلاني لا أتوقف عن الكتابة، لأكون بذلك بحرا لا تنضب مياهه، ليرد مجدّدا على قلمه: لكن لا أعلم ما الذي أصابني، إني أجد نفسي عاجزا، بل عازفا عن الكتابة، هل الفكر هو المسؤول؟
أجابه مجدّدا، ليس فكرك وإنما انفعالاتك، أحاسيسك، مشاعرك الدفينة، لعل شيئا يزعجك، دفع بك إلى العزوف عن التدوين. هل أنت متيقن بأن لا شيء يزعجك؟ أنا على يقين بأن أمرا ما أصاب ذهنك، حتى أضحى مشتتا وقلقا. يمكنك البوح إن أردت، فأنا رفيق دربك.
- نعم إني قلق، تدافعت إشكاليات عديدة، وتراصت في الآن نفسه. فكري مشتت بها. لم أوّفق بأن أبوّبها، وأتطرق إليها بصفة منتظمة، الأمر الذي مثّل سببا لكي يراودني الشك، حتى أشعر بأني فقدت ملكة الكتابة، هذه الملكة التي تعتبر حياتي، ماهيتي وجوهري. إني، وبكل اختصار، بدونها أقع في العدم والفراغ النفسي الذي يهدّد كل ذاتٍ اختارت القلم منهجا للحياة.
رد عليه القلم: لكن هذا بديهي، إذ يجعل تدافع القضايا المراد دراستها من الفكر مبعثرا، لتجد الذات المفكرة نفسها عاجزة عن الكتابة، الأمر الذي يبرّر الشعور بالقلق والانزعاج والشك. هذه الأوقات التي يمر بها الفكر، تطرأ على كل من اختار طريق القلم. فلكل طريق صعابه وعراقيله التي تميزه عن الآخر. لكن الأمر الذي لا يمكن تغيبه، هو أنّ العزيمة، الرغبة والإصرار يمثلون الدافع الرئيسي لإكمال الطريق وخوض غماره، فلا تترك قلمك وأبقي على هدفك.
أحس بعد أن حاور ذاته، بأنه يشعر بنوع من الراحة النفسية، ما دفع به للمحاولة ثانية والتفكير مجدّدا، ليجد قلمه من جديد يدوّن كلماتٍ تنساب على تلك الأوراق، لتروى تعطشه للكتابة، وتدعم بذلك عزيمته.
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)