حنين إلى "أيام زمان" في المغرب

حنين إلى "أيام زمان" في المغرب

18 ابريل 2019
صغيرات فوق جبال الأطلس قبل عقود (ميشال باريه/ Getty)
+ الخط -
يبدي كثير من المغاربة حنينهم إلى أحداث أو سلوكيات أو عادات أو ألعاب من الماضي، وذلك من خلال استحضارها، مقابل التذمر من الوتيرة السريعة للحياة المعاصرة، خصوصاً في المدن. ويشمل هذا الحنين إلى الماضي الرغبة في العودة إلى العلاقات الاجتماعية المتسمة بالود والتراحم بين الجيران، عوضاً عن علاقات البغض والتوتر بين الناس، وأيضا الرغبة في عودة "ألعاب زمان" التي تعرف حميمية أكبر، بدلاً من ممارسة الألعاب الإلكترونية، فضلاً عن الحياة الهادئة عوضاً عن الوتيرة السريعة والمتشنجة للحياة العصرية.

يقارن عبد القادر المنصوري (64 عاماً)، في حديثه إلى "العربي الجديد"، بين علاقات الناس في الأيام الماضية وعلاقات اليوم، ويقول إنّه يتذكر كيف كانوا متراحمين ومتوادين ومتعاطفين عندما كان في ريعان شبابه، وكيف صارت هذه العلاقات الإنسانية إلى المقلب الآخر في فترة شيخوخته. يشير إلى أنّ الناس في تلك السنوات كانوا يسألون عن بعضهم البعض، ويتزاورون في ما بينهم، خصوصاً سكان الحي أو الزقاق الواحد، كما كانوا يساعدون المرضى من بينهم، ويزوّجون العازب فيهم، ويتكفلون باليتيم من الأطفال، ويفضون مشاكلهم في ما بينهم من دون اللجوء إلى المحاكم. يتابع أنّ الوضع اليوم بات بخلاف تلك السنوات الخالية التي كان التراحم يزينها، إذ بات شاهداً في "هذا الزمن" على غدر الأخ أخاه، وقتل الرجل صديقه، وخيانة الزوجة زوجها أو العكس، كما أنّ تلك المشاعر الطيبة والودودة لم تعد كما كانت من قبل، وصارت القلوب قاسية، وقلما يمدّ شخص يد العون إلى غيره.



مي هنية (58 عاماً)، تشير بدورها إلى ملمح آخر من ملامح الحنين إلى الماضي، إذ تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأسرة في زمن سابق كانت تلتئم دائماً، يرأسها الجد والجدة، وتضم بين أفرادها العم والعمة أو الخال والخالة، في منزل واحد حتى وإن كان ضيقاً، كما أنّ الحياة كانت حلوة بالرغم من الفقر والحاجة المادية". تقارن: "الحياة العائلية في أيام زمان كان لها طعم خاص، وكانت المشاكل لا تتجاوز حدود البيت ويجري حلّها داخل الأسرة الصغيرة بفضل حكمة الجد والجدة أو تدخل الخال، لكن حالياً في وقتنا هذا صار الرجل بالكاد يستطيع العيش مع زوجته وأولاده، وصارت المشاكل تتفاقم من دون أن تجد حلاً إلّا في المحاكم بالطلاق".

يقول با المكي، وهو حارس متقاعد، لـ"العربي الجديد"، إنّه يذكر من أيام زمان كيف "كانت المنازل متراصة بشكل أفقي، وكان الجار يعرف كلّ شيء عن جاره، ويصله ويسأل عنه، وكانت أبواب البيوت مفتوحة أمام الجيران، من دون تكلف في أجواء بسيطة خالية من التعقيدات". يتابع أنّ المنازل صارت تبنى بشكل عمودي على شكل عمارات شاهقة، كلّ عمارة تضم 20 شقة أو 30، وبالرغم من أنّ كلّ شقة أمام الشقة الأخرى، لكنّ أحداً لا يكلم الآخر إلا نادراً، كما لا يعرف الجار حاجات جاره". يضيف أنّ "مفهوم الجيران الذي كان من قبل تغير كثيراً في حياتنا الحالية".

سلوى أمهاني، تضع بدورها مقارنة عفوية بين أيام زمان والزمن الحاضر من خلال ما تسمّيه "البَرَكة" والتي تعني، كما تقول، الشعور بدوام النعمة وعدم زوالها سريعاً. تضرب مثلاً بالوقت، "ففي أيام زمان كانت الأيام والشهور والسنوات تمرّ بكلّ هدوء، بينما الآن تطير السنوات وتتلاحق، فشهر رمضان على الأبواب بعدما مرّ بالكاد أمس". تتابع ربة المنزل أنّ "البركة طاولت أيضاً صحة الإنسان، ففي سنوات ماضية كانت صحة المرء جيدة لا يشكو من الأمراض المنتشرة حالياً، وكان لا يزور الطبيب إلا نادراً، وكانت الأعمار ممتدة أيضاً، بخلاف الزمن الحاضر وما فيه من شكاوى كثيرة، وأمراض أصابت حتى الأطفال، فكثرت الوفيات بسبب ومن دون سبب".



معاذ، شاب يعمل مربياً للأطفال، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ الحنين إلى الماضي بالنسبة له يتمثل في أفلام الكرتون والمسلسلات التلفزيونية التي كانت في سنوات الثمانينيات وحتى التسعينيات، فهو ما زال يذكر أسماءها، بخلاف الزمن الحالي الذي "كثرت فيه هذه الأعمال لكن صارت من دون ذوق ولا جاذبية" كما يقول. يشرح أنّ دليل حنين العديد من الناس لمسلسلات وكرتون زمان، مثل "الكابتن ماجد" و"الليث الأبيض" هو أنّهم ما زالوا يبحثون عنها، فهي لم تمت بعد، وما زالت حية في الذاكرة، ويردد أحداثها وشخصياتها كثيرون سنوات بعد سنوات، ويكررون مشاهدتها عبر الإنترنت لما فيها من سلاسة وإبداع ورسائل تربوية بناءة، بينما المنتجات الحالية تتسم بالعنف ومتهمة بإفساد الأجيال الناشئة.

يتابع أنّ هناك عناصر أخرى تبيّن الحنين إلى أزمنة سابقة، من قبيل ألعاب الأطفال التي كانت تمارس في الأحياء من طرف الصغار ذكوراً وإناثاً، ولم يعد لها وجود حالياً إلا نادراً، مثل لعبة "الغمّيضة" و"كاش كاش" ولعة الخذروف (الطرومبية) ولعبة الكرات الزجاجية الصغيرة (كلل أو بيل) ولعبة "شريطة" وغيرها من "الألعاب الجميلة التي عوضتها الألعاب الإلكترونية المتسمة بالعنف وقلة استعمال الخيال الذهني"، وفق تعبيره.