حمدين صباحي .. عليه اللعنة

حمدين صباحي .. عليه اللعنة

26 اغسطس 2020
+ الخط -

انتقدت، وكثيرون غيري، ما أسميتها "حالة الخرس" التي أصابت الأحزاب الناصرية والقومية، وما تسمّى الكتلة المدنية، أشخاصًا وكيانات، وهي تتابع مشاهد العري التطبيعي بين أبو ظبي وتل أبيب، وتحالفهما الشرّير ضد الشعب الفلسطيني، فلا تجرؤ على إصدار بيانٍ واحد يتيم يسجل رفضًا، ولو خجولًا، للهرولة والانبطاح، ذرّا للرماد في العيون.

وقبل يومين، صدر بيان شديد القوة والوضوح في الموقف، تصدّره السياسي المصري حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، وقت الثورة، ثم مع الانقلاب، يدين الخطوة الإماراتية، ويعلن بعبارات صريحة أن ما تفعله حكومة أبو ظبي يأتي في سياق دور تخريبي تلعبه لمصلحة الكيان الصهيوني.

وكما غضبنا من صمت الصامتين، وانتقدناهم بعنف على سكوتهم، فإن الموضوعية تقتضي أن نحييهم ونشدّ على أيديهم إذا تكلموا، بلغةٍ واضحةٍ في إدانتها المتآمرين على قضية فلسطين، ممن يتحالفون مع الاحتلال ويتصالحون مع الظلم، في كل زمان ومكان. وبحسب عبارة البيان البليغة  "إننا نعلن أن رفض التّطبيع وكل معاهدات الإستسلام، السابقة، والراهنة، واللاحقة، هو واجب أخلاقيّ قبل أن يكون واجباً سياسياً ووطنياً، يحتمه الضّمير على كل مثقّف وكاتب عربي. ونعلن هنا: لا انفصال بين القضيَّة الفلسطينيَّة المركزيَّة وما تعانيه الدُّول العربيَّة من حروب وأَزمات ثقافيَّة، وسياسيَّة، واقتصاديَّة، فالعدوُّ واحد، يتغلغل في الوطن العربيِّ للقتل، والدَّمار وتفتيت المفتَّت، وإغراق المنطقة بالدِّماء، وقتل تنميتها وإمكانيَّة تطوُّرها، ونهضتها".

هذا البيان، في زعمي، يجسّد موقفًا قوميًا ووطنيًا وإنسانيًا هو الأقوى والأوضح، في تعبيره عن جوهر الصراع مع احتلالٍ غاصب، بصرف النظر عن الذين أصدروه ووقعوا عليه، ومن دون الاستغراق في نزق لعبة المحاسبة على أخطاء مضت في قضايا ومواقف أخرى، بمعنى أن موقفًا محددًا يتم إعلانه بشأن قضية محدّدة، يجب التعاطي معه وتقييمه في ضوء محددات هذه القضية، وأسسها الأخلاقية والقانونية.

بتفصيل أكثر، أزعم إنه لا يجوز لأحد ابتذال القضية الفلسطينية، بتحويلها إلى ساحة للتعارك الأيديولوجي، أو مسرح استعراضي لتصفية حساباتٍ قديمة في قضايا أو خناقات أخرى، ذلك أنه توجد مليون مناسبة أخرى، يمكن فيها نصب حلبات الملاكمة والمصارعة بين فرق العجزة والمهزومين، كما أنه لا مصادرة على حقٍّ أحد في ممارسة رياضة مهاجمة حمدين صباحي وغيره، على مواقف سابقة أو لاحقة، لكن من دون أن يطغى هذا الإسفاف على نقاش بقيمة الموضوع الفلسطيني وحجمه.

لا يهم هنا ترك محتوى البيان، والتفرّغ للتفتيش في دوافع إصداره، أو تجاهل ما فيه من مضامين محترمة، والاستغراق في أسئلةٍ عن جهاتٍ مجهولة تقف وراءه، أو الاستسلام لحالة من شطط التأويلات والتفسيرات، تنتهي بيقين كسول وبليد، كالعادة، إلى أنها لعبة مخابراتية يقف وراءها النظام.

واقع الحال أن أفضل ما في جعبة حمدين صباحي، منذ دخوله معترك السياسة، أن لديه موقفًا ناصعًا، يستجيب لمقتضيات الهوية الوطنية والقومية والإنسانية، من قضية فلسطين، وبالتالي هو ليس دخيلًا على الموضوع، أو مقحمًا فيه أو مدسوسًا عليه بفعل فاعل، إلى آخر هذا الثغاء الذي يقوده مطبّعون عتيدون.

يلفت النظر أن يتشارك في الامتعاض من البيان بعض معارضي عبد الفتاح السيسي وانقلابه، مع  كثيرين من غلاة مؤيدي انقلابه، مع نفر من بقايا الدفعة الأولى لجماعة كوبنهاغن التي ولدت في تسعينات القرن الماضي، على يد لطفي الخولي ومجموعة من شخصيات اليسار العربي، ارتأت، ولا تزال، أن اليسار الإسرائيلي أقرب إليها من اليمين العربي، فكانت تردّد في السابق  أن اقتحام السفاح شارون المسجد الأقصى، كان هدية لليمين العربي، الرافض للتطبيع .. ثم ها هي تردد الآن، بوقاحةٍ لا يسندها دليل أو منطق، أن ما تسمى "قوى السلام واليسار  في إسرائيل أحرص على حق الشعب الفلسطيني من أي قوة عربية خارج إسرائيل".

المدهش أن اللدد في الخصومة الفكرية والأيديولوجية يجعل بعض جمهور رافضي الانقلاب، إسلاميبن وعداهم، يتعاطى مثل هذه السموم التطبيعية المعتّقة، والتي يتم خلطها بعسل الإدانة الزاعقة لطغيان عبد الفتاح السيسي، وتعليق المشانق لكل من انخرط في معسكره يومًا.

بالطبع، لا يمكن لعاقلٍ منصفٍ أن يتوانى في فضح جرائم الاستبداد والطغيان وتعريتها، غير أن من المهم الانتباه للخلط الشرير بين إدانة الاستبداد والوقوع في فخ التطبيع، من دون وعي، كما يحدث، مثلًا، في حالة الانبهار بما يقدمه صهاينة على مواقع التواصل الاجتماعي من وجبات شهية تحمل الكثير من توابل السخرية من نظام السيسي، وفضح ارتباطاته مع الكيان الصهيوني، فينتهي الحال بأن يتغلغل الصهاينة في الوعي البسيط، وتتحوّل مقولاتهم وتسريباتهم وإفيهاتهم إلى مسلمات، تعرف طريقها إلى الميديا العربية، وتجعل من أصحابها ضيوفًا على الإعلام العربي.. فتكون النتيجة النهائية أن لا فرق بين السيسي ومناهضيه في استخدام الصهيوني سلاحًا.

وهذا حديث يطول ..

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا