حمدالله عالسلامة.. يا عراقيين

حمدالله عالسلامة.. يا عراقيين

08 ديسمبر 2016
+ الخط -

لا تدندنوا أُغنية راغب علامة، "حمدالله عالسلامة يا جاي من السفر". ليس المقصود بالعنوان الأغنية التي ذاع صيتها نهاية ثمانينيات، ومطلع تسعينيات القرن الماضي.

وليست الابتسامة التي "وحشتنا" في وجه الغائب، الذي ألقينا على مسامعه تلك العبارة، بل هي أرواح حفظها الرحمن من المخاطر اليومية في بلد مثل العراق، تتسع فيه رقعة العنف يومًا بعد آخر لتأخذ أشكالًا وأنواعًا مختلفة ومبتكرة في قاموس العنف.

في عام 2006 و2007، كان العنف قد بلغ ذروته في أغلب محافظات العراق؛ حينها كنت قد التحقت في الجامعة كطالبة في الدراسة المسائية. كانت محافظتي ديالى كما أكثر المحافظات العراقية تحدث فيها تفجيرات يومية وخطف وقتل وقصف بالقاذفات والقنابل اليدوية.

كان موقع الكلية في مدينة بعقوبة عاصمة المحافظة، بينما كنا نسكن في بلدة المقدادية. الطريق إلى الكلية محفوف بالمخاطر. كنا أحيانا نرى جثثاً ملقاة في الشوارع وبين الجزر الوسيطة بعد اشتباكات تحدث هنا وهناك.

كانت والدتي غالباً ما تتصل للاطمئنان ما إذا كنا أنا وشقيقتي بخير. وحين عودتنا إلى المنزل، كان الجميع يبادرون بقول هذه العبارة "حمدالله عالسلامة" وبشكل يومي تقريبًا. لست وحدي من سمعتها. ما زال غالبية العراقيون ممن يقطنون مناطق الصراع يشعرون بالخوف عند خروجهم من منازلهم وعودتهم إليها؛ لذا، فإن حالة القلق عند الفرد العراقي صارت جزءاً من حياته اليومية، والتي استوجبت الاستفسار والاطمئنان على كل من خرج ودخل إلى منزله.

الوضع هذا أوجب على العراقي أن يودع أهله عند خروجه إلى عمله؛ فربما لا يحالفه الحظ للعودة مرة أخرى، ما استحدث متلازمة "حمدالله عالسلامة"، التي تلهج بها ألسنة العراقيين بعدما كانت تقال لغائب عاد من سفر بعيد، أو مقاتل رجع من معركة خاسرًا فيها أو منتصرًا، أو لمغامر قام بمغامرة ما، حمدالله عالسلامة؛ عبارة مستهلكة أصبحت من روتين الحياة اليومية لدى العائلة العراقية.

كما أني حقًا، لا أتذكر كم هي عدد المرات التي ذكرت فيها هذه العبارة، أو إلى من قلتها، أو ما هي الأسباب التي دفعتني لقولها. ما أعرفه أني كما الآخرين من حولي، نكررها يوميًا لكل من عاد من السوق سالمًا غانمًا بكيس من الصمون العراقي الحار، دون أنّ يصاب بانفجار أو إطلاق ناري، أو لمن نجا من عملية اختطاف يتم على إثرها إيداعه في غياهب السجون.

"حمدالله عالسلامة"، نقولها يوميًا لمن خرج قبل ساعة ورجع إلى حضن أمه من دون أن تخطفه عصابة، وتلقى جثته بعد سويعات قليلة في إحدى المزابل أو على قارعة الطريق، ليتم العثور عليه على ضفاف الأنهر وفي مشرحة الطب العدلي.

"حمدالله عالسلامة" يا من عدت حيًا، لم تزهق روحك خلال نزهة قصيرة قضيتها مع أطفالك، الذين عادوا سالمين أحياء غير مصابين بجروح أو عاهات في بلد اعتلى منصة العنف والإرهاب في العالم.


"حمدالله عالسلامة"؛ لمن ذهب إلى الجامعة وعاد من دون أن يتم قتله في الطريق. "حمدالله عالسلامة"؛ يا من سلمك الله من الانفجار الأول والانفجار الثاني وحتى الثالث.

"حمدالله عالسلامة"؛ لمن ذهب إلى الحلاق وعاد من دون أن يتم البحث عنه بين أشلاء الجثث إثر تفجير انتحاري حدث بالقرب من محل الحلاقة الذي كان فيه.

"حمدالله عالسلامة"؛ لمن وقف مع صديق له عند باب منزله ثم حدثت اشتباكات واستطاع أن ينجو من الرصاص المتطاير ودخل إلى منزله سالمًا.

"حمدالله عالسلامة" لكل شاب أو رجل صحا من النوم، ولم يجد أي منهما نفسه وقد انتقل بقدرة قادر إلى المجهول بحجة التحقيق معه.

وأخيرا، "حمدالله عالسلامة" لكل عراقي ما زال في هذا العراق على قيد الحياة.

دلالات

F515B5CE-8486-4DBF-88EF-BE153D2EF378
ميمونة الباسل

صحافية من ديالى "أنتمي إلى حضارة العراق قلباً وقالباً. أكتب من الوطن إلى جميع الأوطان لأنقل صورة العراق كما هي"

مدونات أخرى